لعبة العدسة المخفية غير أدبية، ومخالفة للأحكام الشرعية
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
***السؤال***
قال السائل: (م. ن). كنت جالسا في حديقة عامة مع زوجتي وابني وأمي في جلسة عائلية نتبادل الحديث، وفجأة وقفت أمامنا امرأة مع رجلين، قالت: إنهما أخواها، وهي تقول لهما بصوت مرتفع: هذا هو الذي خدعني وتزوج علي، وتركني وأولادي، وراحت تَدَّعِي أنها زوجتي، وأنني أهملتها وأولادها، وبعد عِراك كلامي وشجار وبهدلة مع الناس، وقد بلغ القلق بأمي حتى أغمي عليها، ومع انزعاج زوجتي وابني، وبكاء وصراخ، بعدها جاء رجل من ورائي وهو يقول: أنظر الكاميرا المخفية!!! قال السائل: فقلت له لعنة الله على الكاميرا المخفية، فقال له الرجل: لاتقلق إنها لعبة الكاميرا المخفية فقط لنمزح.!! قال السائل: هل هذا العمل الذي قد يؤدي إلى أمراض نفسية أو جسدية، أو حوادث وخيمة، هل هذا يجوز أدبيا وأخلاقيا وشرعيا؟؟
***الجواب***
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
أولا: كل فعل يقوم به المؤمن لِيُدْخِلَ خوفا ورعبا على أخيه المؤمن لايجوز، يحرم على المؤمن أن يؤذي مؤمنا، والموقف الذي مارسه أصحاب العدسة المخفية مع صاحب السؤال، لايجوز، لأنه مما يتأذى به المؤمن، فهو عمل غير أدبي، ومخالف للأحكام الشرعية. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ (الأحزاب:58)
وفي الحديث. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مسير، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: [ما يضحككم؟] فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا] (مسند أحمد.23064. وأبوداود:5004) فهذا نهي صريح من النبي صلى الله عليه وسلم،[لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا] ولوكان على سبيل المزاح ليَضحَك ويُضحِك. والله تعالى أعلم.
ثانيا: من أراد المزح، أو كلمة دعابة للترويح، فليقصد في مزحه الوصول إلى ما يفيد، كمعلومة عليمة، أو لغوية، أو تاريخية، ولايجوز له الكذب ولو كان مازحا، ولا يقول أو يفعل ما يؤذي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الصحابة ولا يقول إلا حقا، ومن ذلك.عن أنس، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، احملني ـ أي أعطني مركوبا ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ] قال: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:[وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ] (أبو داود:4998) وفي هذه الدعابة تعليم الرجل كيف يتدبر الخطاب، ويفقه مدلول الكلام. ولايُتَّخَذُ المزاح لذاته لإضحاك الناس، إنما يأتي نادرا في معرض تربيات وحِكَم. والله تعالى أعلم.
ثالثا: لايجوز الكذب لإضحاك الناس على حساب إحراج غيرهم، ولو كان مزحا. ففي الحديث. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[أَنَا زَعِيمُ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ] (أبو داود:4800) والله تعالى أعلم.
رابعا: لايجوز اتخاذ مجالس خاصة للضحك، أي مقصودة لكثرة الضحك. ففي الحديث. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ] (ابن ماجة: 4193، والترمذي:2305) وفي الموطأ، قال الراوي: وحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ « أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: [لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ، وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ، وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ، فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى، وَمُعَافًى، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى الْعَافِيَةِ] (الموطأ. كتاب الكلام. باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله. ص: 698. ف: 1806 رواية يحي بن يحي الليثي) والله تعالى أعلم.