جرائـم فـرنسا لا تنتهــي وآثارها لا تخـــفى
الشيخ نــور الدين رزيق */
تركت فرنسا بعد خروجها من أرضنا وإن كانت لم تخرج من قلوب البعض منا كما يقول الشيخ محمد البشير الابراهيمي عليه رحمة الله قنابل موقوتة، منها ما يمس هوية الأمة ودينها ومنها ما تعلق بشخصيتها وممتلكاتها.
إذ عمل الاستدمار الفرنسي أولا على تعطيل المؤسسات الوقفية بسبب السياسة التخريبية وقتها، التي سعت لهدم النظام الوقفي في الجزائر من خلال إصدار سلسلة من المراسيم والقرارات تنص صراحة على نزع صفة الحصانة عن الأملاك الوقفية (25أكتوبر 1932)، ثم
في (23 مارس 1882) أصدرت الإدارة الاستعمارية الفرنسية قانون الحالة المدنية أو قانون الألقاب من أجل تعويم النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه وبهذا تم استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب، من أجل طمس الهوية العربية والإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية وتعويضها بهوية ضعيفة.
غاية المستدمر الفرنسي هو تفكيك نظام القبيلة المطبق حينئذ، لتسهيل الاستيلاء على الأراضي، وإبراز الفرد كعنصر معزول، وتغيير أساس الملكية إلى الأساس الفردي بدلا من أساس القبيلة.
فسياسة فرنسا الاستدمارية ليس القتل والنفي فقط، بل ما هو أخطر، سياسة فَرِّق تَسُد، حدث هذا الأمر في مشتتنا (القرية) مثلا: أخوان من أجدادي (الأب والأم واحدة) أحدهما أعطي لقب رزيق والآخر عولمي .
ومن ذلك ما حدث كما يذكر التاريخ قصة الجزائري «الحاج البخاري بن أحمد بن غانم» وله أربعة أولاد: محمد وعبد القادر وأحمد والحبيب، فقد خسر هذا الشخص أرضه بعد رحيله إلى سوريا، وبعدما قامت الإدارة بتغيير ألقاب أولاده حيث أصبحوا «محمد عسّال، وعبد القادر بوشمة، وأحمد البحري، والحبيب ندّاه».
أما توزيع الألقاب ومدلولها فحدث ولا حرج عندما تسمع الألقاب كأنك في غابة: دماغ العتروس، بوبغلة، حمار، الغول، بوراس، بوذراع، بوكراع، بومنجل، بومعزة، لطرش، لعور، لعايب، الخن… هذه ليست أسماء حيوانات، أو أوصاف بعض الأعضاء البشرية، بل هي ألقاب لعائلاتٍ جزائرية أثارها المعنوية وتكلفتها المادية ثقيلة على الأسرة الجزائرية إلى يوم الناس هذا، والطامة الكبرى الإدارة الاستدمارية ونظامها(غنيمة حرب كما يسميها من يحنون إلى ذلك العهد البائد)، التي نشرت البيروقراطية والتثاقل و(التعطال) فولدت الرشوة والمحسوبية ونظام دولة داخل دولة.
الاستقلال التام لا يتحقق إلا بعد القضاء على هذا الموروث الاستدماري بنمط إداري عصري يعالج الآثار ويعيد للأسرة التلاحم والألفة والمحبة، وللمجتمع صبغته وهويته، ولا خير في نظام حكم لا يستمد شرعيته من شريعة رب الأرباب {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[50/ المائدة].