في سياق اليوم العالمي للحجــاب خــــواطـــــر وأفكــار
يكتبه: حسن خليفة /
اتفقنا أو اختلــفنا في قضية أهمية وجود يوم خاص بالحجاب يُسمى «اليوم العالمي للحجاب»، وقد أُقرّ قبل سنوات قليلة(1913) وهو يوافق اليوم الأول من شهرفبراير(فيفري) من كل عام.
وقدلوحظ انتشار واسع لمنشورات و«هاشتاغات» في الشابكة (النت)، وخاصة في وسائط التواصل الاجتماعي، تدعو إلى نشر لباس الحشمة والستر، وبيان «قيمة» الحجاب ليس كمجرد رمزي ديني،ولكن كأسلوب ونمط حياة بالنسبة للمرأة المسلمة أيا كان المكان الذي تعيش فيه.
في كل الأحوال ..وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول هذه المناسبة فإننا لن نستطيع الاختلاف بشأن الحجاب نفسه، كـ«فرض» افترضه الله على المرأة المسلمة، وأوجبه عليها لحكِم بالغة، وأهداف إنسانية واجتماعية ودينية وثقافية كبيرة…ما يعني أن هناك «فلسفة» متكاملة ومنظومة متناسقة من القيم والأفكار تتصل بـ «الحجاب».
ومن يقرا كتاب «فلسفة الزي في الإسلام» للطبيب الدكتور أحمد الأبيض يستطيع التعرف على قيمة «الحجاب» و«علوّ» شأنه وفلسفة الزي في نظامنا القيمي الإسلامي؛ وأنا أدعو في هذا السياق أخواتنا وبناتنا إلى قراءة هذا الكتاب ومدارسته، والاهتمام به، لمعرفة «فلسفة الزيّ» وحقيقته، وطبيعته، وأسراره التي تُعلي من شأن الإنسان في المرأة،وتخفض من شأن (السلعة) و(التشيؤ) وترتفع من النظر الجزئي إلى النظر الكلي المتكامل بالنسبة لهذا الكائن البديع/ المرأة: لتجعل مقامات الإنسان فيها أعلى وأسمى: الأخلاق، القوة، العمل، الكفاءة، البذل، التضحية، الشراكة، وغيرها من القيم النبيلة السامية، ومن ثمّ نتعرّف على حقيقة ما وراء الفريضة / الحجاب ومراد الشرع الحنيف من ذلك، وهو «الإعلاء» من قيمة المرأة، وإبراز إنسانيتها المكافئة لإنسانية الرجل، والتخفيف من «غلواء» الأنوثة فيها، أي التخفيف من أسرار الجسد، وبالتالي التخفيف من ابتذال المرأة وجعلها مجرد سلعة و«شيء جميل»، وتهيئتها (حسب فلسفة العصر المادية) كأنثى لا دور لها إلا استثارة واستقطاب شهوات الرجل، بأي وسيلة، من خلال عرض مفاتنها ومباهجها واستثمار ذلك في كل قطاع، كما نراه اليوم مجسدا في «الإعلانات» ووسائط الإعلام المختلفة؛ حيث يتم التركيز على الأنثى بكل الأشكال.
وللأسف صارت هذه هي النظرة الأكثروالأوسع انتشــارا لدى لفيف كبير من الرجال/الذكور؛ فصار ذلك مطلبا نمطيا(الجمال الجسدي)، وترسخت الصورة لدى المرأة نفسها، فرفعت السقف في التزيّن والتجمّل، ولحق «الحجاب» من ذلك أذى كبير؛ حيث صار محل تفصيل وابتكار وتنويع وتزيين أخرجه عن هدفه الأسمى وهو إخفاء الزينة والإغضاء من المفاتن، وقد صار تصويب ذلك واجبا، لإعادة الأمور إلى نصابها بشأن الحجاب وشروطه وشرعيته، وما وُجد له.
وأتصوّر أن هذا حقل اشتغال لا بد منه في مجتمعنا الذي انحرفت موازينه، وصار نهبا للأهواء والتصوّرات الخاطئة الآثمة، ليس في هذه المسألة فقط ولكن في مسائل كثيرة أخرى.
****
المهم في المسألة ونحن في سياق هذه المناسبة (اليوم العالمي للحجاب): هل ثمة إمكان لنستفيد من هذه لتعزيز «القيم» الحضارية، من خلال الحجاب ونظرة الإسلام العظيمة إلى المرأة، بل ونصحح مقـام «الحجاب» الذي صار «معضلة» نسويّة، وأخلاقية وسوسيوـ ثقافية، بتعدّد أنماطه، وانحرافه عن «أهدافه» وتدخّل الهوى والموضة ومقاييس إبليس فيه.
إن مقتضى الأمر في سعينا لنيل مرضاة ربنا: أن نجتهد:
• في بيان حقيقة الحجاب بالنسبة للمرأة وأنه جاء ليُعليّ من قيمتها ويرفع درجتها (الإنسانية)، بجعلها إنسانا قبل أن تكون أنثى.
• أن الحجاب شأن إيماني قويم، يجب أن تقوم المرأة / الأسرة بتكاليفه كما أمر الله تعالى به، وأن تُربّى البنات على القيّم التي يقتضيها الحجاب: إيمان، خلُق، طاعات، نفاسة معدن، طهروعفة، تقوى الخ ..، ويقتضيها أيضا دور المرأة في الحياة في شكل وظيفة عظيمة هيأها الله تعالى لها في تكامل مع شقيقها الرجل. ولن تصلح الحياة إلا بصلاحهما معا، وبالأخص صلاحها هي؛ لأنها عمـود الأسرة والمجتمع.
• أن طاعة الله تعالى تقتضي الارتقاء إلى مستوى التطبيق الكامل لما أمر به سبحانه في هذه المسألة، وقد فصّلها العلماء الأمناء تفسيرا دقيقا. ومن ثم فلا يُعتد بهذه الأشكال والألوان من «ربع الحجاب» ونصفه وثلثه وثلاثة أرباعه.
• أن تجتهد المرأة نفسها، فرديا وجماعيا، وتسعى لتكون شريكة لشقيقها الرجل: ثقافيا، واجتماعيا، وحضاريا، وتربويا، ودعويا، وتعلم أنّه لهذا خُلقت وليس للعناية بجسدها والدوران حوله فسحبُ.
• «إن الزيّ الإسلامي» (الحجاب الشرعي) يبرز كأحد الأشكال المؤكدة لرغبة المرأة المسلمة في كسر طوق التنميط، وتأكيد خصوصية الهوية والثقافة، وتجاوز الإرادة الرخوة التي تجعلها قابلة لأن تكون كائنا رخويا مبتذلا مائعا قابلا للاستخدام المؤقت.
• إن النظر العميق لمسألة الحجاب كقيمة أخلاقية وإيمانية وإنسانية يعدّل (بالتخفيف) من درجة التلوث الأخلاقي الذي يضرب الكوكب كلّه بقوّة، وبمرور الوقت أحال الحياة إلى غابة، في المفاهيم والتصوّرات أولا، ثم في السلوك والمعاش والممارسة بعد ذلك.
• من .. واجباتنا كمسلمين أن نجعل من هذا الباب (باب الزيّ الإسلامي) باب دعوة منتظم قائم دائم للقيّم الإنسانية والخُلقية، يمكن الدخول منه إلى القلوب لتنويرها وترشيدها ورفع الكفاءة الإيمانية فيها، وأن الحجاب جاء لخير المرأة والأسرة والمجتمع وليس تقييدا وتحييزا وانتقاصا منها.
• ربما كان من الجميل أن تفكر الجمعية، من خلال لجنة المرأة والأسرة والطفل في صيغ إبداعية لتثمين الحجاب والقيم اللصيقة به، من خلال فعاليات خاصة ونوعية، لإطلاق أنشطة وأعمال ترسـخ مكانة المرأة في المجتمع من خلال تعميق التزامها بدينها واجتهادها في ترسيخ قيّم هذا الدين العظيم في الوسط النسوي والأسري.
ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ .