المعركـــــة من الداخــــــل وبين جـــــدران القلعــــــة
أ. لخضر لقدي/
المعارك التي نخوضها كثيرة الجبهات متعددة الجوانب، منها ما هو معركة مع الذات، ومنها ما هو مع أعداء الخارج….. ومنها ما هو ضد الفساد والاستبداد والظلم والاستعباد.
والجيل الذي نشأ في العقود الأخيرة، لم يشهد حربا باردة، ولا معركة ساخنة، ولا صراعيا فكريا، بل لا يعرف حقيقة الصراع الدائر اليوم.
وليس الحل في التهرب من الحقائق خوفا منها، أو لعدم القدرة على مواجهتها، ولا في التغاضي عن الحقائق والأسماء والمسميات…
وقد شاع المثل: لا تفعل كالنعامة تدفن رأسها في الرمال، وقد كان الظن أن النعامة تفعل ذلك لتختفي من الخطر الذي يتهددها، وهي تهمة تاريخية باطلة، فقد دلت الدراسات أن هذا الاعتقاد خاطيء… وليتنا كطائر النعام، يحمي نفسه من الخطر، عن طريق التنصت لدبيب الأقدام، والذبذبات التي ينتشر صداها في الأرض من مسافات بعيدة لوقع خطوات الحيوانات الخطيرة، فقد هداه الله ليعلم أن انتقال الصوت في المواد الصلبة أسرع كثيرًا من انتقاله في الهواء….
ومَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا اسْتَعْبَدَهُ.
والمشاكل والأزمات لا تحل بالتغاضي والتغافل، وكتم الأفواه، وتغميض العيون، وصم الآذان، فهذا الفعل لا يحل مشاكلنا أبدا بل يزيدها تعقيدا، ولحكمة ما قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ.. وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ….}
ونحن مجبرون على خوض ثلاث معارك متزامنة:
معركة يفرضها ديننا وتمليها مصالحنا، وهي معركة نشر الاعتدال وقبول الآخر والانفتاح وقيم التعايش داخل المجتمعات المسلمة، وبين الأقليات المسلمة في الغرب والمجتمعات الغربية…. والتطرف موجود بيننا شئنا أم أبينا.
والمعركة الثانية هي معركة مفروصة علينا تتمثل في التطرف المقابل الذي يواجه ديننا وتديننا، وهذه المعركة مستمرة، عبر عنها القرآن بـ:وَلَا يَزَالُونَ.
وهي معركة ينكرها الآخر، ويتغافل عنها العميان، ويتناساها العملاء خبثا، فضحها كتاب الله المسطور، وأبانها كتاب الله المنظور: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ….والْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.
والمعركة الثالثة هي مع الطابور الخامس -أغلب أفراده من ذوي الجنسية المزدوجة أو أبناء خونة، أو مستلبين-، وهو طابور متجذر في جسدنا، يتخذ عدة صور، ويظهر بعدة ألوان، ولكنه في النهاية يريد جر العربة لتتبع فرنسا…
ومن فتح عينيه على الواقع رأى أمارات هذا الصراع بادية، وهي استمرار لمعركة قديمة، عبر عنها مالك بن نبي رحمه الله أحسن تعبير:أما اليوم فالمعركة من الداخل وبين جدران القلعة، بين أولئك الذين يريدون الدفاع عن القلعة والذين يريدون تسليمها إلى الأفكار الأجنبية. مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (ص: 109)
وقد يكون المرء مجبرا لاختيار الممكن لصعوبة تحقيق الأفضل، وقد تؤجل معركة لمواجهه أخرى أصعب، وقد تتحالف مع عدو للنكاية في عدو أخطر…
وهذا الإفصاح عن المعارك والأعداء يعيبه آخرون، ويعتبره آخرون وهما، وسُرَّ له آخرون…..
وقد أكون مخطئا في الوصف أو في الطرح. ولن يضيرني الاعتذار، ولكني أقول لعدو فكرتي مت غيظا، فأفكاري تموج في صدري موجًا، وتطير مِن عقلي طيرًا، ولم أستطع العزلة هروبا منها.