مخاطر تطبيق التيك توك وأثرها في سلوكيات أبناءنا
أ. شعيـــب عبّو */
لا ريب أنّ وباء كورونا قد أعاد أسلوب التّعليم عن بعد (( Distance Learning إلى الواجهة بقوّة، حيث أُجْبِرت العديد من دول العالم على تطبيق التدريس باستخدام الإنترنت (Digital Learning ) أو الطرق التقليدية كالتلفزيون والإذاعة….بعدما شُلَّت مدارسها ومراكزها التّربوية بسبب الحجر الصحي الإجباري؛ كإجراء احترازيّ للوقاية من فيروس كوفيد19، غير أنّ عدم الاستعداد التّربوي والتّقني والاجتماعي للكثير من هذه الدول صَعَّب هذا النّوع من التّعليم، وجعل الكثير من المعلّمين يَغْفَلُونَ عن أسس نظرية وعملية مهمّة في تطبيقه. وحتّى نتّفق من البداية، فقد وضعنا تعريفا إجرائيّا للتعلّم عن بُعد، بعد بحث واستقراء وتجربة، يتلاءم مع الأزمة التي نعيشها اليوم، ومع غيرها من الأزمات والظروف….قد تحول دون التّعليم الوجاهي للطلبة والتلاميذ. فالتّعليم عن بعد هو: « أن ينقل المعلّم برنامجا تعليميّا معتمدا إلى متعلّم بعيد عنه جغرافيا (ليس معه)، بطريقة متزامنة أو غير متزامنة، عبر وسائل تقليدية كالتلفاز والراديو، أو حديثة كالشبكة العنكبوتية «. ويقوم هذا التعريف الشامل على ثلاثة أركان أساسية هي: أ- أن يكون البرنامج التّعليمي مُعتمدا. ب- البعد الجغرافي بين المعلم والمتعلم. ج- استخدام المعلم لوسيط بينه وبين المتعلّم، لإيصال المعلومات له بطريقة متزامنة أو غير متزامنة.
وحتّى يكون التّعليم عن بعد بديلا أو مساعدا للتّعليم الوجاهي في الحالات الطارئة أو العادية، فعلى المعلّم مراعاة مجموعة من الأسس النّظرية والعملية؛ نُجملها في: *أوّلا: تحديد الأهداف التعليمية: وذلك بإعادة مراجعتها، وصياغتها بشكل واضح يساعد المعلم على تحقيقها، وهنا سأستعين بعلم الإدارة لأستعير منه مفهوم الهدف الذكي Smart Goals ) ) لجورج دوران(George Duran ) الذي أراه وظيفيّا في تحديد مواصفات الأهداف في التّعلم عن بعد، وعليه يجب أن تكون: 1- محدّدة(Specific): بدقّة واختصار؛ على صيغة الفعل المضارع « أن يعرف المتعلم كذا»، فنكتب مثلا الهدف الكلّي لدرس الصحّة الجسمية والنّفسية : أن يعرف المتعلّم قيمة الصحّة التي وهبها الله له، وكيفية المحافظة عليها. 2- قابلة للقياس( Mesurable): يمكن تقيّيمها وتقويمها؛ إمّا بطريقة التنقيط الكلاسيكية، أو بالطرق الحديثة التي تهتم بتعزيزالسلوك أكثر من تذكّر المعلومات. 3- قابلة للتحقّق(Attainable): نستطيع تحقيقها وفق الوسائل والإمكانات المتاحة، فهناك أهداف لا يمكن الوصول إليها دون تجربة أو تطبيق؛ لما في تجربتها من خطورة، أولعدم توفّر وسائل تطبيقها. 4- واقعية(Realistic): لا مثالية أو خيالية يستحيل الوصول إليها. 5- محدّدة بوقت(Timed): فنحدّد زمن الوصول للهدف الكلي من درس» الصّحة الجسمية والنفسية « مثلا: فنقول: أن يعرف المتعلّم أهمية الصحّة وكيفية المحافظة عليها في الأسبوع الأوّل. * ثانيا: تصميم الأنشطة التعلّمية واختيار أدوات التقويم:
وذلك بإعداد مادّة تعليمية تراعي حاجات المتعلّم، وتصميم أنشطة تعلّمية مناسبة لها، حسب نمط أنشطة التعليم والتعلّم(TLAP) وهي: – الاكتساب – الاستكشاف – المناقشة – الممارسة – التعاون – الإنتاج.
وفي الأخير ينتقل المعلّم إلى اختيار أدوات التقويم؛ الذي يعتبر أحد أركان العملية التعليمية التعلّمية بمختلف صورها، فمن خلاله يمكن قياس نسبة تحقيق الأهداف التربوية، كما نستطيع تحديد التغذية الراجعة (Feed Back ) المناسبة للمتعلم عن بعد. وهنا أنصح المعلم والقائمين على التعليم عن بعد ببرنامج رائع في تصميم الدروس اسمه: (مُصمّم التعليم, Design Learning ). كما يمكن للمعلم الإشراف على عملية التقويم في التعليم الإلكتروني عن طريق الكثير من التطبيقات لعلّ أهمها: (Educaplay) و ( Edpuzzle)…. أمّا في التعليم عن بعد بوسائل تقليدية فيمكن استخدام البريد الإلكتروني، أو الهاتف للتواصل المباشر مع المعلّم…
* ثالثا: اختيار استراتيجيات وطرق التدريس الملائمة:
وهذا مهم جدّا لإيصال المعلومة للمتعلّم، كما أنّ اختيار الاستراتيجية والطريقة الملائمة للتعليم عن بعد يضمن تفاعل المتعلّم مع الدرس وتركيزه، فمثلا يمكن اختيار طريقة النقاش إذا كان الموضوع جدليا، عن طريق منصّة زووم (Zoom) في التعليم الإلكتروني، أو اختيار طريقة المحاضرة في التّعليم التقليدي، مع فتح مجال التفاعل عن طريق الأسئلة بالهاتف أو الواتس آب…. * رابعا: اختيار الوسيلة المناسبة:
يحصر بعض المختصّين اليوم التعليم عن بعد في التعليم الرقمي، وهذا غير صحيح إطلاقا، لوجود وسائل أخرى غير رقمية يتم استعمالها فيه كالتلفاز والراديو والكتب والأقراص المضغوطة…..رغم أنّنا قد نتفق جميعا أنّ التعلّم الرقمي هو أقوى وسائل التعليم عن بعد. * خامسا: طريقة العرض والإلقاء:
التّعليم في حقيقته علم وفن، وأظهر صور الفن فيه؛ طريقة عرض المعلومات وتقديمها للمتعلّم، فكلّما كان العرض منظما، وأسلوب المعلّم جيدا وممتعا، كان الوصول إلى الأهداف أيسر، وهذا أمر يجب الانتباه له جيدا في التّعليم عن بعد بسبب بعد المتعلّم عن المعلّم، وماله من انعكاسات سلبية على دافعية التعلّم عنده. وممّا يُنصح به في هذا المجال استخدام الألوان والأشكال في المعلومات المكتوبة، والتحكّم في برامج العرض كالبوربوانت (Pour Point)، والمونتاج، والإخراج، وتقنيات التعامل مع الكاميرا وفنيات الإلقاء والتحكّم في الصوت… وفي الأخير لابدّ أن نفهم أنّ التّعليم عن بعد قد أصبح خيارا مفروضا على العالم؛ كبديل في الأزمات والكوارث، أو كداعم في الحالات العادية للتعليم الوجاهي فيما يُسمى بالتّعليم المدمج( blended learning) ، ولذلك على الدول أن تستعد له بتوفير متطلباته وتكوين المعلّمين فيه، وتهيئة المجتمع له.
و مع تطوّر تكنولوجيا المعلومات، واقترابنا من ثورة تكنولوجية رابعة، نعتمد فيها اعتمادا كليّا على الذكاء الإلكتروني ( Electronic Intelligence ) والتعلّم العميق( Deep Learning ) سيكون التعليم الرقميّ هو الوجه الأكمل والأفضل للتّعليم عن بعد، بينما سيصبح التعليم الوجاهي مجرّد مرحلة زمنية مضت وانقضت.
*أستاذ مكوّن في التعليم الثانوي، ومدرّب معتمد في مهارات التّعليم والتّدريس والتفوّق الدراسي.