من وهب لأحد أولاده وتوفي ثبتت الهبة للولد، إلا إذا اراد ان يتعفف.
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
الفتوى رقم: 489
***السؤال***
قال السائل. (ح. ن) من ولاية بلعباس. الجزائر. قال: إن أباه وهبه محلا تجاريا كتبه له باسمه، وبعد وفاة الأب، طالبه إخوته بإدخال المحل الموهوب ضمن التركة ليُقسم على كل الورثة الذين هم: أمهم زوجة المتوفي، وثلاثة ذكور وثلاث إناث، وجدتهم أم المتوفى، وأخت المتوفي الشقيقة، وثلاث أخوات لأمه. وترك وصية لأخواته بخمس التركة. والسؤال: هل يجوز لأخوته حرمانه من الهبة؟ وهل يأخذ معهم من الميراث؟ وهل الوصية يقتسمها الأخوات بالتساوي؟ وما هو نصيب الأولاد من التركة؟
***الجواب***
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: ماهي الهبة؟ الهبة: هي ما يعطيه الواهب عن إرادة تامة مما يملك من ماله الحر الحلال، لغيره دون عوض. أو هي: عقد يفيد التمليك بلا عوض حال الحياة تطوعاً من الواهب للموهوب له. والهبة إذن ليست ميراثا، ولا تعويضا لنصيب الميراث بعد الوفاة، وليست وصية، فهي هدية لحاجة يراها الواهب أن الموهوب له يستحقها إعانة أو تكريما أو تشجيعا له، وقد تكون لمقصد لايعلمه غير الواهب والموهوب له. ولايصح الرجوع في الهبة إلا الوالد على الولد في حياة الوالد لمصلحة الوالد أو الولد، وفي حال ما لم تتغير الهبة أو حال الموهوب له، وإنما بعد وفاة الوالد الواهب، ثبتت الهبة، وتم حكم صحتها، ورسمت في حق الموهوب له، إذْ أن الهبة تصح بالإيجاب والقبول والقبض. {وتنعقد الهِبة بقولِ الواهب: وهبتُ ونحلت وأعطيت فلانا أو فلانة كذا ويحدد،} وفي عصرنا هذا يوثق رسميا في حال الهبة ذات الشأن كالعقارات مثلا، فإذا تمت الكتابة وتوفي الواهب ثبت الحق للموهوب له فقها.
قال الفقهاء في تعريفهم للهبة: الهبة تشمل الهدية والصدقة؛ لأن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة. والهبة مشروعة، يجوز للمسلم والمسلمة كل منهما أن يهب ما يشاء في الحلال لمن يشاء في أوجه البر والإحسان للمقاصد النبيلة. قال الله تعالى: ﴿وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ..﴾ (البقرة:177)
ثانيا: يجوز للمسلم أن يهب مايشاء من ماله في مشروعية القصد لأولي الأرحام أو لغيرهم. ففي كتاب: {القوانين الفقهية لابن جزي} (يجوز أن يهب الإنسان ماله كله لأجنبي اتفاقا، وأما هبة جميع ماله لبعض ولده دون بعض أو تفضيل بعضهم على بعض في الهبة فمكروه عند الجمهور وإن وقع جاز، وروي عن مالك المنع وفاقا للظاهرية، والعدل هو التسوية بينهم.) (ص:241) قلت: وإذا جاز أن يهب ماله كله لأجنبي فلأحد أولاده إذا كان لحاجة فهو أولى.
ثالثا: وقلنا: بالكتابة التوثيقية الرسمية للهبة يثبت الحق للموهوب له. وذلك حتى الصغير إذا أشهد الأب على الهبة لولده الصغير فقد تم عقد الهبة. ففي المغني لابن قدامة.{فإن وهب الأب لابنه شيئا، قام مقامه في القبض والقبول، إن احتيج إليه. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارا بعينها، وقبضها له من نفسه، وأشهد عليه، أن الهبة تامة. قال: هذا قول مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي. وروينا معنى ذلك عن شريح، وعمر بن عبد العزيز. ثم إن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض، اكتفي بقوله: قد وهبت هذا لابني، وقبضته له.} (المغني:6/50) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: ويقال للسائل: من الناحية الفقهية أن ما وهبه أبوه فهو له، وأن الورثة لا يمنعونه ذلك، وأنه يأخذ معهم نصيبه من الميراث، لأن ما أعطي له من الهبة كان نحلة له صدقة في حياة والده، وقد كان يمكن لوالده أن يهب المحل الموهوب وغير المحل لغير الورثة جميعا، أي لأجنبي، ويجوز له ذلك شرعا، فَلِمَ لا يجوز لولده؟ ولكن نقول للسائل من جهة أخرى: إن علم عن يقين أن أباه لم يكن عادلا فيما نحله مع إخوته، يكون من العدل أن يعيد لهم ما يطمئنهم وأن يزهد. لأن المقتضى هو: التسوية بين الأولاد في الهبة إلا في الاستثناءات المشروعة.واعلم أيها السائل وغيرك، بأن تفضيل بعض الأولاد على بعض بدون سبب مشروع يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
خامسا: قال السائل: هل يجوز لأخوته حرمانه من الهبة؟ وهل يأخذ معهم من الميراث؟ قلت: والجواب لايجوز لإخوته حرمانه من الهبة، لأن الوالد حين نحله تلك العطية كان لمصلحة قد تخفى على إخوته، وقد تكون العلة باقية دائمة فَفَضَّلَهُ بناء على حاجة خاصة. وقلنا إن الهبة ليست ميراثا ولا وصية ولا بيعا ولا وقفا ولا إجارة، ولذلك قلت مما بينه الفقهاء وجب التحديد والتعيين والحيازة والقبض، وينوب عن كل هذا الكتابة الرسمية. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
سادسا: قال السائل: وهل الوصية يقتسمها الأخوات بالتساوي في هذه المسألة؟ مادام الموصي ترك الوصية مشتركة بين أخواته الأربعة، ولم يحدد فيقتسمنها بينهن بالسوية والله تعالى أعلم.
سابعا: قال السائل: (وما هو نصيب الأولاد من التركة؟) فوالد السائل المتوفى ترك: أما، وزوجة، وثلاثة ذكور، وثلاثة إناث، وأختا شقيقة، وثلاث أخوات لأم، وترك وصية. 1 ـ تنفيذ الوصية والمقدرة بالخمس، في هذه المسالة. 2 ـ للزوجة الثمن. 3 ـ وللأم السدس. 4 ـ والباقي للأبناء والبنات تعصيبا للذكر مثل حظ الانثيين. 5 ـ والأخوات محجوبات بالأبناء، ولهن الوصية يقتسمن الخمس. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.