الصّـــــــــيرفة الإسلاميـــــــــة: واقـــــــــــع وآفاق 3 التّمويل الإســــــــلامي وأثــــــــره في تنميــــــــــة المجتمــــــع

محمّد المأمون القاسمي الحسني*/
تنشر جريدة البصائر، في ثلاث حلقات، دراسة للأستاذ الشيخ محمّد المأمون القاسمي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى، رئيس هيئة الرقابة الشرعية لبنك البركة الجزائري، بعنوان: «الصيرفة الإسلامية واقع وآفاق». يبيّن فيها طبيعة المصارف الإسلامية، وخصائصها المميّزة، وأهمّ الصيغ التمويلية المطبّقة فيها. كما يستعرض بعض المشكلات والصعوبات الّتي تعترض سبيلها، وتعوقها عن تحقيق أهدافها التنموية.
ويجدّد الشيخ القاسمي دعوته إلى التعاون بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية، مؤكّدا بأنّ الصيرفة الإسلامية أصبحت جزءا من النظام المصرفي، المحلّي والدّولي، تؤثّر بدورها في الاقتصادات المحلّية والعالمية؛ ومن ثمّ فإنّ التعاون مطلوب بينها وبين المصارف التقليدية، لخدمة الأهداف الوطنية. كما يبرز أهمّية الرقابة الشرعية، باعتبارها صمّام أمان للمؤسّسات المالية الإسلامية.
ويعبّر في توصياته عن الأمل في أن يكون للعمل المصرفيّ الإسلاميّ أثر ملموس في علاج مشكلات الفقر والبطالة، من خلال المشاريع النافعة الّتي تعود على المجتمع بالخير والفائدة، وتكفل للأمّة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بالسبل المشروعة.
في الحلقة الثانية: عرّف الأستاذ القاسميّ بالنظام الاقتصادي الإسلاميّ باعتباره منهجا متكاملا، له خصائصه التي تحكم تطبيقاته. ومن مميّزات هذا النظام تحريم الرّبا وأكل المال بالباطل، وبيّن الفرق بين الربح والفائدة المصرفية؛ كما أشار إلى انتشار المصارف الإسلامية، كنظام ذي صيغة متميّزة.
وفي هذه الحلقة الثالثة، يستعرض جملة من التحدّيات والمشكلات الّتي تواجهها الصناعة المالية الإسلامية ويطرح أفكارا واقتراحات، لرفع التحدّيات. ويبرز أهمّية الرقابة الشرعية، باعتبارها صمّام أمان للمؤسّسات المالية الإسلامية.
01- تحدّيات ومشكلات..ومواقف مضادّة.
إنّ التنويه بإنجازات المصارف الإسلامية لا يعني أنّها حقّقت أهدافها، وبلغت القمّة في التطبيق الصحيح. فمع تضافر عوامل النجاح وتوافرها، تزداد التّحديات الّتي تواجهها؛ وتتعاظم المشكلات الّتي تعترض سبيلها؛ ويرجع بعضها إلى عوامل داخلية، نابعة من الخصائص الذّاتية؛ وبعضها إلى عوامل من البيئة الخارجية: القانونية منها، والإعلامية، والسّياسية، والاقتصادية. ونعني بالبيئة القانونية، منظومة القوانين والتّشريعات ذات التأثير السّلبي في أعمال المصارف عموما، والمصارف الإسلامية خصوصا.
ويمكن تلخيص هذه الصعوبات في النقاط الآتية:
العوامل الدّاخلية:
• نقص الثقافة الشرعية؛ وضعف مستوى المهارة الفنّية لدى بعض الموظّفين والمستخدمين، في هذه المؤسّسات.
• ضعف إمكانات أجهزة الاستثمار في بعض المصارف الإسلامية، خاصة في مجال دراسة المشروعات، وتقويم العمليات؛ والبطء في اتّخاذ قرار الاستثمار، وفي إصدار رخص التمويل.
• عدم وضوح خصائص الاستثمار الإسلاميّ، وصيغه التّمويلية المختلفة؛ لدى بعض المستخدَمين والموظَّفين في المصارف الإسلامية.
• عدم وضوح العمل المصرفيّ الإسلاميّ وصيغه، عند أغلب المتعاملين، مع عدم الوفاء وسوء التعامل من بعضهم.
العوامل الخارجية:
• عدم صدور قانون خاصّ بالمصارف الإسلامية، في بعض البلدان الإسلامية، كالجزائر، وفي الوقت نفسه، عدم ملاءمة المنظومة القانونية السّائدة لجوهر نشاط المصارف الإسلامية، كما تحدّده أنظمتها الأساسية؛ لأنّ النصوص التشريعية وضعت أصلا لتلائم تطبيقات البنوك التقليدية، المتعاملة بالفائدة المصرفية. ولا نرى أنّ النظام الّذي أصدره بنك الجزائر، بهذا الشأن، كفيل بتحقيق الأهداف المنشودة من الصناعة المالية الإسلامية. ومن هذا المنطلق؛ كنّا، ومازلنا، نلحّ على ضرورة إصدار نظام قانوني خاص بالصيرفة الإسلامية في الجزائر، يتلاءم مع طبيعة المؤسّسات المالية الإسلامية، وخصوصيات العمل المصرفيّ الإسلامي؛ فذلك في تقديرنا هو ما يمكّن هذه المصارف من تطوير منتجاتها، وتنويع استثماراتها، لتستجيب لمتطلّبات السوق المصرفية وحاجاتها المتزايدة؛ ولكي تستطيع مواجهة التحدّيات الّتي تتعاظم، في ظلّ التنافس الشديد، وقوانين منظّمة التجارة العالمية. إنّ هذا ما كنّا ندعو إليه، منذ تأسيس بنك البركة الجزائري، سنة 1990م؛ ولا نرى اليوم أنّ النظام الّذي أصدره بنك الجزائر، بشأن الصيرفة الإسلامية، كفيل بتحقيق الأهداف المأمولة.
• تأخّر قيام أسواق نقدية إسلامية، من شأنها دعم المؤسّسات المالية الإسلامية، والتشجيع على المزيد من شركات التمويل والاستثمار، الّتي تعمل، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
• عدم وجود شبكة كافية من المراسلين الّذين يتعاملون في إطار مصرفي إسلامي، وقلّة الفرص الوظيفية، والصيغ المتاحة للتّوظيف الإسلامي في السوق العالمية.
• مشكلات الصّرف المتمثّلة في عدم قابلية كثير من العملات للتّحويل؛ ممّا يعرقل انتقال رؤوس الأموال، مع الارتفاع المستمّر في سعر العملات، مقابل انخفاض قيمة العملات غير القابلة للتّحويل.
المواقف المضادّة للمصارف الإسلامية، ومنها:
• مواقف بعض الدول الإسلامية، التي لم تسمح بإنشاء مصارف إسلامية في بلدانها. ولعلّ صورة هذه المصارف نقلت إليها مشوّهة؛ واستخدمت بعض الأخطاء في التطبيق، كدليل ضدّها؛ مع العلم أنّ هذه الأخطاء، إن وجدت، هي حالات فردية، وليست ظاهرة عامّة، يحكم من خلالها على التجربة كلّها، بفشلها وعدم صلاحيتها.
• مواقف السّلطة النقدية، في بعض البلدان الإسلامية، الّتي لها دوافع ذاتية تمنعها من تقبّل المصارف الإسلامية.
• مواقف سلبية من بعض المصارف التقليدية، محلّية ودولية، سواء بمهاجمة المصارف الإسلامية، أو من خلال الالتفاف عليها، واختراقها من داخلها.
• الإعلام السّلبيّ المضادّ لفكرة الصيرفة الإسلامية ،ويتمثّل في حملات تشكيك مشوّهة ومفترية، تشترك فيها مؤسّسات مالية واجتماعية وسياسية، مضادّة للفكرة الإسلامية. وتعاقبت حملة الانتقادات، منذ تأسيس أوّل بنك إسلاميّ في دبي، قبل خمسة وأربعين (45) عاما. ويأتي في طليعة الأسباب سوء الفهم لخصائص المصارف الإسلامية، والجهل بمدى التباين بينها وبين البنوك التقليدية؛ وقد تشتبه على البعض صيغ التمويل الإسلامية، فلا يستطيعون التّمييز بينها وبين معاملات البنوك التقليدية؛ ويظنّون أنّ الفوارق في الصّور والأشكال، وليست في الجوهر والمقاصد؛ ولكنّ المؤكّد أنّ فيهم مغرضين هدفهم النّيل من المصارف الإسلامية. فما فتئ هؤلاء يشكّكون في مصداقيتها، مستغلّين بعض الأخطاء الّتي حدثت في المراحل الأولى من إنشائها؛ وهدفهم في الواقع تثبيت وضع قائم، وتبرير الإصرار على النظام الربويّ السّائد.
02- من أجل رفع التحديات، وبلوغ الأهداف والغايات.
وهنا، نسجّل جملة من الأفكار والملاحظات استخلصناها من متابعتنا حركة المصارف الإسلامية، ومواكبتنا مسيرتها، وإدراكنا للتحدّيات الّتي تواجهها؛ ممّا يجعل الحاجة ماسّة إلى مراجعة استراتيجيتها، وتحديد دقيق لأهدافها وأولوياتها؛ ليكون سيرها دائما على طريق قويم، يعرف سالكوه غايتهم، ويختارون إليها وسيلتهم؛ مستنيرين بالمنهج الّذي يصحّح مسيرة المال، لتحقيق خيريته، وتجنّب فتنته، والنجاح في الابتلاء بنعمته.
وفي تقديرنا؛ فإنّ الأفكار التي نطرحها، من شأنها تقوية المصارف الإسلامية، وتأكيد مصداقيتها؛ ونلخصّها في التصوّر الآتي:
أولا- مراعاة المآلات والمقاصد الشرعية للمصارف الإسلامية؛ كيلا يسود الاعتقاد بأنّ تحقيق الأرباح هو المقصد والمآل؛ فتنحرف عن وجهتها، وتبتعد عن مقاصدها. وإذا كانت سياستها التمويلية تتوخّى تقليل المخاطر، إلى أدنى حدّ ممكن، والارتقاء بالأرباح، إلى أعلى حدّ ممكن؛ فإنّ عليها أن تتخلّص من الاتجاه السائد في استخدام الموارد؛ وأن تتجنّب السير في نفق الاقتصاد الرأسمالي؛ وأن لا تولّي وجهتها نحو تركيز الثروة، وتعظيم الربح ورأس المال؛ ممّا يبعدها من هُوّيتها الحقيقية، ويجعلها قريبة من البنوك التقليدية.
ثانيا- بذل أقصى الجهد لتحقيق أهداف المصارف الإسلامية، باعتبارها مؤسّسات لتجميع الأموال؛ وتوظيفها، طبقا للشريعة الإسلامية، فيما يخدم بناء المجتمع المتكافل، ويحقّق عدالة التوزيع، ووضع المال في مساره الصحيح. وتحقيق مشاركة العمل ورأس المال معا، من أجل إحداث التنمية الحقيقية؛ في المجتمعات الإسلامية؛ وإبراز العمل المصرفي الإسلامي، كعمل متميّز، باعتباره يمثّل منفعة مشروعة، تقابل بالأجر؛ ولكونه عملا موجبا لاستحقاق الرّبح.
ثالثا- العمل لاستكمال صيغ المعاملات الإسلامية، في الاستثمار والخدمات المصرفية؛ وصولا إلى البدائل الإسلامية كاملة؛ ومن ثمّ تحقيق معانيها ومقاصدها؛ وذلك بتطوير الصيغ التمويلة، والتركيز على الصيغ المنتجة، والخروج من المجال الضّيّق للمرابحة، الّتي أدّت دورها في مرحلة وسيطة، من مراحل العمل المصرفي الإسلامي؛ ولا ينبغي أن تستمرّ على ما هي عليه الآن؛ فليست هي الصيغة الأنسب لرسالة المصارف الإسلامية؛ ولا تنسجم مع منهجها وطبيعتها التّنموية. وقد كان تركيز هذه المصارف على تمويل المرابحة محاولة منها للتحكّم في حركة التّوظيفات المالية وعوائدها؛ لما تتّسم به هذه الصّيغة وتطبيقاتها من سهولة ومرونة لا تتوافر بالدرجة نفسها في صيغ التمويلات الشرعية الأخرى. يضاف إلى ذلك ضغط العوامل التي تتحكّم في البيئة المحيطة، من قوانين وأنظمة وتعليمات تطبيقية ورقابية. ولعلّ ذلك كلّه دفع المصارف الإسلامية إلى أن تسلك هذا السلوك. والمطلوب من المصارف الإسلامية أن تعمل لتوجيه الأموال الفائضة من مراكز الوفرة إلى مواطن الحاجة المناسبة للاستثمار والتشغيل، وتوظيفها التوظيف الأمثل في المشاريع الّتي تعود على المجتمعات الإسلامية بالخير والفائدة.
فنحن نريد أن يكون للنشاط المصرفيّ الإسلاميّ أثر ملموس في علاج مشكلات الفقر والبطالة، لتوفير فرص العمل والتشغيل، من خلال أدوات تمويل سليمة وتشغيل المشروعات النافعة، لتضييق نطاق البطالة.
رابعا- امتلاك القدرة على التعايش مع نظام المصارف التقليدية، بناء على نظرة الإسلام إلى التعامل مع الآخر، فكرا ونظاما؛ ودعوته إلى التعامل مع الغير، والاعتراف بحقّه في العيش والحضور والممارسة.
فالمصارف الإسلامية جزء من النظام المصرفي، المحلّي والدّولي، تؤثر بدورها في الاقتصادات المحلّية والعالمية؛ ومن ثمّ فإنّ التعاون مطلوب بينها وبين المصارف التقليدية، لخدمة الأهداف الوطنية. والمجالات كثيرة للتعاون والتكامل بين النظامين، في المعاملات الّتي ليس فيها مخالفات لأحكام الشريعة الإسلامية. وقد أثبتت التجربة الماليزية أنّ أفضل وسيلة للتحوّل من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية تتمثّل في التعايش بين النظامين، جنبا إلى جنب.
خامسا- المنافسة، في تقديم الخدمات، بالجودة والوقت والتجديد والابتكار؛ والعمل للارتقاء بالأرباح، لجلب المتعاملين.
سادسا- إيلاء مزيد من الاهتمام بالمتعاملين؛ وعقد لقاءات مفتوحة معهم، وتحسين صورة المصارف الإسلامية لديهم.
سابعا- وضع برنامج واسع، للتّعريف بخصائص العمل المصرفيّ الإسلامي، وصيغ الاستثمار وأساليب التمويل يتضمّن إصدار منشورات، وعقد مزيد من الندوات؛ مع الاستعانة بقنوات الإعلام ووسائل التبليغ والاتّصال.
ثامنا- تطوير العنصر البشريّ، بالتكوين المستمرّ، وترقية أساليب التّشغيل والتّنظيم والأداء؛ وتأمين الإدارة الفعّالة، وتفعيل القيم المهنية في سلوك المصارف الإسلامية.
03- الرقابة الشرعية صمّام أمان للمؤسّسات المالية الإسلامية
هيئات الفتوى والرقابة الشرعية: «المصداقية في الاستقلالية»:
إنّ ما يميّز العمل المصرفيّ الإسلاميّ هو التقيّد بأحكام الشريعة الإسلامية، في جميع العقود، ومختلف العمليات والمعاملات. وتعتبر الرقابة الشرعية ركيزة أساسية في بناء المؤسّسات المالية الإسلامية؛ وهي لها الدرع الواقي الّذي يحميها من الانحرافات، وصمّام أمان يعصمها من الزلل؛ ويحميها من القصور والخلل. ولهذا الغرض، نصّت القوانين المنظّمة لهذه المؤسّسات على تشكيل هيئات الفتوى والرقابة الشرعية فيها؛ وإقامة إدارات للتدقيق الشرعيّ والرقابة الداخلية؛ فضلا عن الرقابة الإشرافية المركزية، التي تضطلع بها هيئات عليا، في مستوى البنوك المركزية. ومن أهمّ أهدافها التأكّد من أنّ المؤسّسات المالية الإسلامية ملتزمة بأحكام الشريعة، في تنفيذ العقود والمعاملات. وتقدّم بذلك تقريرا لإدارة البنك المركزيّ، باعتباره الجهة الإشرافية على المؤسّسات المالية في الدولة.
تنصّ معايير الضّبط على الوظائف الّتي تؤدّيها الرقابة الشرعية، الداخلية والخارجية؛ وتبيّن اختصاصاتها وصلاحياتها، وأسلوب ممارساتها لعملها. وتتلخّص في متابعة مختلف الأنشطة والأعمال والتصرّفات والعمليات، الّتي تقوم بها المؤسّسة، وفحصها وتحليلها، للتأكّد من أنّها تتمّ وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، مستخدمة الوسائل والأساليب الملائمة، الكفيلة ببيان المخالفات والأخطاء، وتصويبها، ووضع البدائل المشروعة لها؛ وتقديم التقارير إلى الجهات المعنية، متضمّنة الرأي الشرعيّ، مشفوعا بالإرشادات والتّوصيات والقرارات، الّتي يتعيّن مراعاتها، من أجل تحقيق الكسب الحلال، وبغرض التطوير إلى الأفضل، في الحال والمآل.
تتولّى الرقابة الشرعية الداخلية إدارة ترتبط بأعلى مستوى في المؤسّسة؛ وتكون مستقلّة إداريا. فهي تتبع تنظيميا المديرية العامة للمؤسّسة، وتتبع وظيفيا هيئة الفتوى والرقابة الشرعية.
تنفّذ هذه الإدارة زيارات رقابية ميدانية، بصفة دورية، لإدارات المؤسّسة وفروعها؛ وتعدّ بذلك تقريرا دوريا تبيّن فيه نتائج الرقابة والتدقيق الشرعي لمختلف الأنشطة والعمليات الّتي كانت موضوع رقابتها وتدقيقها. ومن مهامّها متابعة تنفيذ قرارات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية، وضمان التزام الإدارة بأحكام الشريعة الإسلامية، في جميع المعاملات؛ وكشف أيّ انحرافات أو مخالفات؛ وإبلاغ الإدارة بذلك فورا، لاتّخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الخطإ، واستدراك الخلل، وضمان عدم تكراره.
أما هيئات الفتوى والرقابة الشرعية، فتنصّ معايير الضبط على استقلاليتها؛ وتصفها بأنّها «جهاز مستقلّ». وتعني بهذا الوصف: «الاستقلال» عن إدارة المؤسّسة. فالهيئة، في مجال اختصاصاتها، هي الّتي توجّه الإدارة، وتراقب أعمالها. وقراراتها ملزمة، وواجبة التنفيذ؛ فهي توجّه نشاط المؤسّسة؛ وهذه وظيفة الفتوى وبيان الحكم الشرعيّ؛ وهي الّتي تراقب نشاط المؤسّسة؛ وتشرف عليه؛ وهذه وظيفة المراجعة.
تقوم الهيئات الشرعية بالمراقبة الواجبة، لإبداء الرأي في التزام البنك بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها السمحة. ومسؤوليتها تنحصر في إبداء رأي مستقلّ، بناء على مراقبتها لأعمال البنك، وفي إعداد تقرير للجمعية العامة. وتقع على الإدارة مسؤولية التأكّد من سلامة التطبيق.
يتعيّن على الإدارات التنفيذية بالمصارف الإسلامية أن تلتزم بمعايير الضبط الخاصة بهيئات الفتوى والرقابة الشرعية؛ وتكفل لها استقلاليتها، وتسهر على تطبيق القوانين واللوائح المنظّمة لعملها. وكلُّ إخلال بهذه الشروط من شأنه أن يكون مدعاة لزعزعة الثقة في الصيرفة الإسلامية؛ ويعطي خصومها الفرصة للنيل من سمعتها، والطعن في مصداقيتها.
إنّ الهيئات الشرعية تقوم بوظيفتي: الفتوى والمراجعة. والوظيفتان متكاملتان، من منظور الأهداف والغايات، والمهامّ والصلاحيات؛ وذلك التزامًا بالمسؤولية الشرعية، وتعزيزًا للثقة، وتحقيقا للمصداقية. ولا تتحقّق أهداف هذه الهيئات إلاّ بالقيام بوظيفتي الإفتاء والمراقبة معًا. كما أنّ استقلاليتها، وتحلّيها بروح المسؤولية، وقيامها بمهامّها على الوجه المطلوب، هو الّذي يُكسبها المصداقية، ويعزّز ثقة المتعاملين في التزام المصارف الإسلامية بأحكام الشريعة الغرّاء، في عقودها ومعاملاتها. فالمسؤولية الّتي تتحمّلها الهيئات الشرعية رسالتها جليلة وأمانتها ثقيلة، في ميزان الخالق سبحانه، وفي ميزان الأمّة. وعلى الّذين يتحمّلون تبعات هذه المسؤولية أن يستشعروا رقابة الله على أعمالهم وشهاداتهم، ويذكروا وقوفهم بين يديه، عزّ وجلّ، يوم يقوم الناس لربّ العالمين. يوم لا يغني أحد عن أحد، ولا يجزي يومئذ والد ولا ولد.
والحمد لله ربّ العالمين.
ربيع الثاني 1442ه، الموافق ديسمــــــــبر2020م