مؤلفون وكُتاب قرأت لهم واستفدت منهم الأمـــــــير عبــــد القادر الجزائــــــري (1808 – 1883)
أ.د/ مسعود فلوسي*/
الفارس الهُمام، والمجاهد المِقدام، والقائد المُحَنَّك، والبطل الوطني الخالد، والعالم المتبحِّر، والشاعر الملهَم، والمصلح الاجتماعي، ذو الشخصية العالمية، الأمير عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري -رحمه الله-.
شغل هذا الرجلُ النّاسَ في حياته، وشغل العلماء والباحثين بعد وفاته، إذ على الرغم من مرور ما يقرب من قرن وأربعة عقود من السنين على وفاته إلا أنه ما زال محل اهتمام المؤرخين والأدباء والمفكرين والسياسيين، وما زالت تُكتب عنه المؤلفات والبحوث والمقالات، في عرض أفكاره ودراسة تراثه وتحليل شخصيته ومحاولة فهم مواقفه، ولو أننا حاولنا رصد كل ما كتب عنه في اللغة العربية وحدها دون ما كتب عنه في مختلف اللغات العالمية -في حياته وبعد وفاته إلى يومنا هذا – لعجزنا عنه ولما أمكننا تحقيقه.
منذ صغري وأنا أسمع اسم الأمير عبد القادر يتردّد على الألسنة في المناسبات المختلفة، باعتباره شخصية وطنية مجاهدة رائدة في الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي، وقد عرفتُ شيئا عن جهاده ومقاومته في المرحلة المتوسطة، لكني لم أعرف شيئا عن شخصيته الأدبية والعلمية إلا في المرحلة الثانوية حين درسنا في مادة اللغة العربية قصيدته الفخرية الرائعة:
لنا في كل مَكرُمة مَجَالُ
ومن فوق السِّماك لنا رجالُ
ركبنا للمكارم كل هَوْل
وخُضنا أبْحُرا ولها زجال
إذا عنها توانى الغيرُ عجزاً
فنحن الراحلون لها العِجال
هذه القصيدة دفعتني إلى البحث لمعرفة المزيد عن مختلف جوانب شخصية الأمير، فقصدت مكتبة الثانوية التي وجدت فيها طبعة قديمة من ديوانه الذي حققه وشرحه الدكتور ممدوح حقي، كما وقفت كذلك على طبعة قديمة أيضا للكتاب الذي ألفه عنه ابنه محمد بعنوان «تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وتاريخ الجزائر» في جزئين.
في تلك المرحلة كان فرع المؤسسة الوطنية للكتاب الكائن مقره في ممرات بن بولعيد بمدينة باتنة، يعرض مجموعة من الكتب التي أصدرتها المؤسسة عن الأمير، ومنها: «الأمير عبد القادر متصوفا وشاعرا» لفؤاد صالح سيد، «المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر» لإسماعيل العربي، «الأمير عبد القادر ثقافته وأثرها في أدبه» لمحمد السيد وزير، «حياة الأمير عبد القادر» لشارل هنري تشرشل ترجمة أبو القاسم سعد الله، «التاريخ العسكري والإداري للأمير عبد القادر الجزائري» لأديب حرب.
كما كان هناك كتاب «الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري» ليحيى بوعزيز رحمه الله الذي يعتبر من أوائل ما صدر عن الأمير من مؤلفات ودراسات. وكتاب «الكفاح المسلح في عهد الأمير عبد القادر» لمحمد العربي الزبيري. وكتاب المؤلف السوري بسام العسلي «الأمير عبد القادر» الذي أصدرته دار النفائس في بيروت سنة 1986 ضمن سلسلة «جهاد شعب الجزائر».
في تلك المرحلة كذلك اطلعت على العدد 75 من مجلة «الثقافة» والذي خصص كله لمقالات ودراسات حول الجوانب المختلفة من شخصية الأمير بمناسبة الذكرى المئوية لوفاته (1883-1983).
لم يتوقف اهتمامي بالأمير عبد القادر وشخصيته وتراثه عند المرحلة الثانوية، وإنما امتد معي إلى المرحلة الجامعية، التي اطلعت خلالها على كتب أخرى ألفت عنه، ومنها «سيرة الأمير عبد القادر وجهاده» لمصطفى بن التهامي بتحقيق يحيى بوعزيز، والكتاب الموجز «الأمير عبد القادر العالم المجاهد» لنزار أباظة، وكتاب «الأمير عبد القادر المجاهد الصوفي» لأستاذنا الدكتور بركات محمد مراد.
أما التراث الشخصي للأمير غير ديوانه الشعري، فلم يُتح لي الاطلاع على جوانب منه إلا بعد ذلك، وكان أول ما قرأته منه: «مذكرات الأمير عبد القادر: سيرته التي كتبها في السجن سنة 1849» والتي أصدرت طبعتها الأولى دار الأمة في الجزائر سنة 1994، بتحقيق عدد من الباحثين الجزائريين. ثم كتاب «المواقف» بجزئيه الكبيرين والذي تجلت فيه شخصيته وآراؤه الصوفية، وقد ضم 372 موقفا في تفسير آيات قرآنية وشرح أحاديث نبوية تفسيرا وشرحا إشاريا، علما أن حفيدته الأميرة بديعة تنفي أن يكون من تأليفه وإنما ألفه غيره ونسبه إليه. وكتاب «ذكرى العاقل وتنبيه الغافل» الذي يتكون من ثلاثة فصول؛ الأول في فضل العلم والعلماء، والثاني في إثبات العلم الشرعي، والثالث في فضل الكتابة، وهو يتضمن آراءه في الفلسفة والدين والأخلاق والإصلاح. وكتاب «المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد» الذي تضمن آراءه العقدية وبرزت فيه شخصيته الكلامية.
وخلال ربع القرن الماضي (1995-2020)، صدرت كتب ودراسات وأعدت رسائل جامعية وكتبت مقالات كثيرة حول الأمير عبد القادر، أتيح لي الاطلاع على كثير منها، لعل أبرزها: كتاب مصطفى بن التهامي «سيرة الأمير عبد القادر وجهاده» بتحقيق يحيى بوعزيز، وكذا المؤلفات العديدة التي أصدرتها حفيدته الأميرة بديعة، و«عصر الأمير عبد القادر» لناصر الدين سعيدوني، و«الأمير عبد القادر السياسي» و«الأمير عبد القادر الشاعر» و«الأمير عبد القادر المفكر»، و«الأمير عبد القادر العرفاني»، و«الأمير عبد القادر في بلاد المشرق» وكلها لسليمان عشراتي، والكتب المترجمة من اللغات الأخرى، ومنها: «الأمير عبد القادر» لبرونو إتيين ترجمة ميشيل الخوري، و«الأمير عبد القادر» ليوهان كارل بينت ترجمة أبو العيد دودو، و«شباب الأمير عبد القادر» لقدور محمصاجي، ولعل آخر ما صدر عنه كتاب «سيرة الأمير عبد القادر قائد رباني ومجاهد إسلامي»، وهو جزء من سلسلة «كفاح الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي» من تأليف الدكتور علي محمد الصلابي.
كما نُظمت العديد من الملتقيات في مناطق عدة من الوطن عالجت جوانب مختلفة من شخصية الأمير وأعماله ومآثره، بعضها طبعت أعماله في كتب، ومنها الملتقيات التي نظمتها مؤسسة الأمير عبد القادر.
إنّ شخصية الأمير عبد القادر -رحمه الله – شخصية ثرية ومتعددة الجوانب، فهو مجاهد وبطل وطني ورجل دولة وقائد سياسي وعسكري ومفكر وفيلسوف وشاعر وأديب ومتكلم ومتصوف، وهي شخصية تبقى محل إعجاب واهتمام وجدل بين الباحثين والدارسين والمؤرخين، وهذا دليل عظمة هذه الشخصية ورفعة مكانتها بين الشخصيات الذين سُجلت أسماؤهم بأحرف من نور في سجل هذا الوطن وفي سجل الشخصيات العالمية الخالدة. والعظمة لا تعني العصمة أو السلامة من الأخطاء، وإنما تعني التأثير في العصر الذي يعيش فيه العظيم ويمتد إلى عصور تليه، وهذا ما تحقق للأمير عبد القادر -رحمه الله – وهو موضع الأسوة والقدوة في شخصيته.
*جامعة باتنة