لو احتجت بصلة، ما تعلمت مسألة
مداني حديبي/
أعرف الكثير من المبدعين والرواد والمتميزين والأذكياء في الثانويات والجامعات وفي دروب العلم والدعوة والفكر والاختراع والتأليف..انطفأ بريقهم وتعثرت خطاهم، وتبعثرت مشاريعهم بسبب تشتتهم وحيرتهم واحتياجهم.. يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.. فيضطرون إلى أي عمل يذهب بلمعان ذكائهم وبأنوار تميزهم..
فهذا حفظ القرآن ودرس إحياء علوم الدين في المرحلة الابتدائية وحفظ الكثير من نصوصه وكان الأول معدلا وتميزا.. ثم أخذته الحياة وضغوطها بعيدا فانغمس فيها مكرها ثم انقطع في المرحلة الثانوية ونسي كل شيء ..
وهذا الطالب ع .. العبقري ذكاء الألمعي تفردا كان ينافس درويش في قصائده والشابي في لواعجه وجبران في مواكبه ثم بعد سنوات لم نعثر له على عنوان فقد لفظته الحياة كالنواة بعد أن أكلت كل رحيق إيجابيته ..
وثالث كان رائد الرياضيات بلا منازع يحل المسائل بثلاث طرق ويبهر أساتذته ثم أخذته الظروف وقهرته قهرا فنسي الأبجديات وألف باء الرياضيات..
ورابع كان متفوقا في العلوم الشرعية يستعين به الأئمة في تحضير خطبهم ودروسهم لكن الفقر الذي كاد أن يكون كفرا فعل فعله فيه.. فأخذه تياره الغضوب فكبته كبتا.
وأمثله كثيرة والقائمة طويلة مفتوحة..
لهذا قال أحد الأئمة الأعلام: لو احتجت بصلة، ما تعلمت مسألة.. وهو الجهبذ الذكي الألمعي.. لو احتاج أبسط المسائل فلا يمكنه أن يتعلم بابا من أبواب العلم .. فكيف بالذي يحتاج الضروريات وترهقه الديون وتعصره الحاجات..؟!
لهذا كان عمر بن العزيز الخليفة الزاهد ينفق بلا حساب على مستشاره الذي يبدع في نصحه ويتدفق الخير من استشارته.. وهو الخليفة الذي كان يطفئ الشمعة في غير حاجة ملحة.. فنحن لا نعرف عنه إلا قضية الشمعة ونجهل الشمس التي تشرق من نفقته وعطائه على المبدعين وأهل الرأي والحكمة.. وللأسف الشديد الأغنياء لا يتفطنون لمثل هذه الأمور فيظنون أن الأبكم الأصم الأشل هو أولى الناس بدعمهم وسخائهم ولو تفطنوا لعلموا أن الذكي البصير الإيجابي هو الأولى بالرعاية والاحتواء والاهتمام والدعم.
وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير.. هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم..؟!
فطالب العلم الذكي المبدع والمنشد الرسالي العذب والرائد المتميز هو من يحتاج إلى تفرغ تام لرسالته لينفع الأمة ويجعل الخير يتدفق مدرارا.. وحتى يتفرغ لابد له من مشاريع خير تسنده وتغمره غمرا عطاء ومحبة ووفاء.