الإســــــلام ليس مخـــــــدرا…
عبد العزيز كحيل/
كل من يعمل عقله في آيات الكتاب والأحاديث النّبوية وتاريخ صدر الإسلام يجد نفسه أمام دين يحرّر العقول والقلوب وينشط الجوارح، دين كلّه أفكار حيّة منعشة ومشاعر إنسانية راقية وسلوك إيجابي فعّال لا يقبل الواقع المنحرف بل يستعلي عليه ويعمل على تغييره، هذا ما تشبعه المسلمون من أول يوم وتوارثوه، ويشهد التاريخ الواضح الجليّ أنّ الفاتحين المسلمين ما كانوا معتدين ولا مستعمرين بل كانوا يدخلون البلد فيحررون أهله من الحُكام الظلمة المستبدين ثمّ يتركونه لأهله مؤمنهم وكافرهم، دليل ذلك -على سبيل المثال – أنّ بلداً عظيماً كبيراً مترامي الأطراف له كثافة سكانية معروفة كمصر فتحه 4000 جندي فقط، وانتشر فيه الإسلام وازدهر بعد أن تحررت ربوعه من نير الرومان.
ثمّ دارت الأيام دورتها وسرى الضعف في الفكر والعاطفة والسلوك فوُجدت طوائف من السلبيين جعلت من الدين مخدرا يستسيغ الاستعمار ويؤصل للاستبداد، يصطف مع الظالم وينتهر المظلوم، يصفق للمستبدين الطغاة ويلعن الحرية والأحرار باسم الإسلام، وقد انبرى شيوخ هنا وهناك لتبرير كل ما يناقض حقائق القرآن والسنة بمزاعم درء الفتنة حينا وبناء على قراءة صوفية -سلفية للوحي حينا آخر، عرف الجزائريون ذلك أيام الاحتلال الفرنسي البغيض، وكان جزء من عمل جمعية العلماء منصباً على تحرير العقول من سلبيات بعض الطرق المنتسبة للتصوف التي خدمت المحتل بنشر ثقافة التواكل والانسحاب والخنوع، وتغطية ذلك بنوافل الذكر الشرعية والبدعية، أي استبعدت الفرض ليطغى النفل، ولم يكن الجزائريون ليحرروا أرضهم لو عمّت تلك الثقافة.
وباسم السلفية والسنة النبوية تفعل الآن طوائف أخرى نفس الشيء، وتسلك نفس المنهج لتحدث نفس النتيجة، فباسم الاسلام يؤصلون للاستبداد السياسي في أبشع صوره، ويؤيدون الحُكام مهما طغوا وفجروا ولعبوا بمقدرات الأمة، وفي نفس الوقت يطالبون الشعوب بالخضوع للواقع المنحرف والدعاء للمتغلبين بطول العمر وعدم منازعتهم ولا حتى انتقادهم بل ولا حتى نصحهم بشكل من الأشكال، وأخطر ما في الأمر أن هؤلاء الشيوخ استطاعوا تكوين جيل من «طلبة العلم» يكرهون الحرية والأحرار ويسبحون بحمد الطغاة الظالمين، وينشرون هذا الفكر بين ذوي الثقافة المحدودة والنظر السطحي والمستوى المتدني، حتى صار هناك من يشمئز أشد الاشمئزاز من مفردات الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان ولا يحرك ساكنا أما تزوير الانتخابات والانقلاب على الرئيس الشرعي، ولا تحركه ظواهر البطالة والعزوبة والعنوسة وتبديد المال العام والفساد المالي والسياسي، ويهوّن من ذلك ويعدّه من قدَر الله الذي لا رادّ له، يسرد آيات الصبر وأحاديثه ويخفي آيات العزة وأحاديثها، وبهذا يصوّر الإسلام كمخدّر للإنسان وللشعوب والبشرية، إلى درجة أنّ شيوخ التخدير ألغوا من قواميس خطبهم ودروسهم ومؤلفاتهم مفردات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلمة حق أمام سلطان جائر، والجهاد، والاستشهاد، وتضحيات قادة المسلمين من عبد الله بن الزبير والحسين بن علي إلى سيد قطب، بل يحرفون تاريخ شيوخهم فلا يذكرون أن شيخ الاسلام ابن تيمية مات في سجون الحُكام بسبب معارضته لهم.
لا… الإسلام ليس مخدرا، لا نقول هذا قدَر مقدور بل هذه منكرات يجب تغييرها، ينبغي التركيز على الأمر والنهي، والاهتمام بالقضايا الاجتماعية إلى جانب التربية الروحية والخلقية… نحب الصوفية التي تربي أتباعها وتقاوم الاستعمار والظلم ولا نحب التصوف البدعي الذي يحصر الاسلام في الذكر وينفي عنه السياسة والجهاد، نحب السلفية الأصيلة التي تتبنى الخطاب المنزّل لا الخطاب المبدّل، ولا نؤيد مدرسة التشدد الديني التي تتولى استحمار وتخدير أتباعها ونشر الجهل والتغافل والسلبية باسم القرآن والسنة،وهنا تبرز مهمة مدرسة الاعتدال في نشر الوعي والنباهة بعيدا عن التهييج والغوغاء والانبطاح لتعطي عن الإسلام صورته الحقيقية الناصعة كدين حياة وحرية وكرامة وعزة.