سقوط إدارة ترامب هل ينهي معاناة الفلسطينيين؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
أخيرا انتقل المقامر العنصري دونالد ترامب من سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مزبلة التاريخ، ولعل غالبية الأمريكيين سيذكرونه على أنه كان شخصا كذابا متهورا وخطيرا، وأن سنوات حكمه مثلت فترة من الجنون السياسي في تاريخ أمريكا، حتى أن جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي «أف بي آي» السابق، شبه سلوك دونالد ترامب بسلوك «زعماء العصابات الذين كان يحقق في شأنهم في شبابه»، أما غالبية العرب والمسلمين فسيذكرونه بلا شك على أنه كان العدو الألد لقضاياهم العادلة الذي مارس ضدهم «البلطجة السياسية» طوال سنوات بقائه في البيت الأبيض، غير أن نهاية حكم دونالد ترامب لا تعني نهاية إرثه المشؤوم وزوال خطر مفعول الألغام التي زرعها بقصد وإصرار في طريق خلفه الرئيس المنتخب جو بايدن، خصوصا في مجال السياسة الأمريكية الخارجية.
وفي مقابل عداء وكراهية الرئيس المنصرف دونالد ترامب للعرب والمسلمين، فقد كان يفاخر بصداقته وخدماته للصهاينة قائلا: «إسرائيل لم يكن لديها صديق في البيت الأبيض أفضل مني، على عكس من سبقني». من جهته اعتبر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلي أن رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة «كانت فرصة كبيرة لن تعود بالنسبة لإسرائيل».
لهذا شعر الفلسطينيون بأن حكم ترامب كان كابوسا مزعجا، ولهذا ابتهجت السلطة الفلسطينية بانتخاب جو بايدن على رأس الولايات المتحدة الأمريكية وقال حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ووزير الشؤون المدنية، إن «صفقة القرن وخطط الضم لم تعد مطروحة على الطاولة» أما المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فوزي برهوم فقد قال: «لا أسف على رحيل ترامب.. المصدر والراعي الأكبر للظلم والعنف والتطرف في العالم، والشريك المباشر للاحتلال الإسرائيلي في العدوان على شعبنا وتصفية قضيته».
من الخطط التي استعملها دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وكلف مستشاره و صهره اليهودي جاريد كوشنر بتنفيذها بالتعاون مع فريق من الصهاينة الأمريكيين وبدعم عدد من أنظمة العار العربي المهرولين المطبعين ما عرف بخطة «صفقة القرن» التي اعتمدها بديلا لمشروع حل الدولتين. هذه الخطة التي تعتبر صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية بأنها «ماتت ليلة هزيمة ترامب» وبحسب افتتاحية الصحيفة العبرية ، فإن ترامب اتخذ العديد من القرارات خلال فترة رئاسته رحب معظم الصهيونيين بها؛ لقد اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة إلى القدس؛ اعترف بضم هضبة الجولان؛ وشدد العقوبات على إيران، وعمل على تطبيع الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل، غير أن هزيمة دونالد ترامب أمام المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، تمثل شهادة وفاة لصفقة القرن التي تبنتها إدارة ترامب التي تنتمي إلى اليمين المتطرف. ويبدو أن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “يسرائيل بيتنا” المعارض يرى من جهته أن «إسرائيل فوتت فرصة ثمينة لضّم الضفة الغربية في فترة ترامب».
أما عن تصور الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة الرئيس الديمقراطي بايدن لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فقد عبر عنه وزير الخارجية الأميركي المقبل أنتوني بلينكن الذي قال إن «حل الدولتين» هو الحل المناسب لقضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وصرح أمام مجلس الشيوخ عشية تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد حو بايدن قائلا: «الرئيس وأنا شخصيا نعتقد أن السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية مع إعطاء الفلسطينيين دولة يحق لهم بها، هو عبر حل الدولتين». كما أشار إلى أنه يعارض أي خطواتٍ أحادية الجانب من أي جانب تقوض حل الدولتين، وكذلك يعارض الضم والتوسع الاستيطاني. ويشدّد على أنه سيتخذ خطواتٍ فورية، لاستعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك مساعدة اللاجئين الفلسطينيين. وإنه سيعمل على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وسيعمل على إعادة فتح القنصلية الأميركية المغلقة في القدس الشرقية، ومكتب بعثة منظمة التحرير المغلق في واشنطن.
ولكن هل يمكن اعتبار موقف الإدارة الأمريكية الجديدة بأنه سيمثل قطيعة مع سياسة الانحياز التقليدي للإدارات الأمريكية إلى جانب إسرائيل. صحيفة يديعوت أحرنوت أكدت أن معظم هذه الخطوات التي أقدمت عليها إدارة ترامب السابقة ستبقى في أغلبها، في إشارة إلى عدم قدرة إدارة بايدن على التملص من هذه القرارات التي مثلت قفزة في الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية. وكان جو بايدن قد تعهد بعدم إعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، وبعدم إلغاء اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل غير القانوني للمدينة، ناهيك عن ضم مرتفعات الجولان.
ولا يبدو أن تحالف رئيس الحكومة الإسرائيلي الليكودي بنيامين نتنياهو مع خصمه السياسي المهزوم دونالد ترامب وعمله على منحه ورقات انتخابية كثيرة كتصوير اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية بأنها انجازات دبلوماسية مهمة للسياسة الخارجية لدونالد ترامب في الشرق الأوسط، ولا حتى المكالمة الهاتفية التي تأخرت في الوصول من نتنياهو لتهنئة بايدن بالفوز.
عشية أداء بايدن اليمين الدستورية أعلنت منظمة «السلام الإسرائيلية» المناهضة للاستيطان أن إسرائيل طرحت، ، مناقصات لبناء أكثر من 2500 وحدة سكنية استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، أما صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» فقد اوردت أسماء المسؤولين من الأمريكيين اليهود المتعاطفين مع إسرائيل التي عينت في إدارة بايدن ومن أبرزهم:
– أفريل هينز، وتشغل منصب مديرة المخابرات الوطنية، بعد أن كانت نائبة مدير المخابرات المركزية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهينز يهودية عُرفت بدعهما وزياراتها المتكررة لإسرائيل.
– راشيل ليفين لتولّيه، وكانت وزيرة الصحة في ولاية بنسلفانيا، وقد نشأت في منزل يهودي محافظ.
– رونالد كلاين، في منصب رئيس الأركان، وكلاين أحد مساعدي بايدن منذ سنوات طويلة، وعُرف في أمريكا بتعليم التوراة للأطفال اليهود.
– ويندي شيرمان، المرشحة لمنصب نائبة وزير الخارجية، وقد تولّت شيرمان مهمة تعزيز التوافق مع المجتمع اليهودي في أمريكا ودعم إسرائيل من خلاله، كما لعبت دورا رئيسيا في «ضمان تبنِّي الحزب الديمقراطي سياسات إسرائيل العامة».
– آن نويبرغر، اختارها بايدن للمنصب الحساس في إدارة الأمن السيبراني بوكالة الأمن القومي، وهي يهودية أرثوذكسية عملت في وكالة الأمن القومي لأكثر من عقد.
أليخاندور مايوركاس، لتولِّي منصب وزير الأمن الداخلي، وقد عرف مايوركاس بنشاطاته المتعددة داخل الجماعات اليهودية، ورفع لواء مواجهة التهديدات التي يتعرض لها يهود أمريكا.
ويوجد عدد آخر من المناصب الهامة أوكلها بايدن ليهود أمريكيين، من بينها أنتوني بلينكن في منصب وزير الخارجية، وديفيد كوهين في منصب نائب مدير وكالة المخابرات المركزية، وميريك جارلاند في منصب المدعي العام.
إن ذهاب إدارة الطاغية دونالد ترامب ووصول إدارة أمريكية جديدة بقيادة الديمقراطيين قد يخفف بعض الضغط السياسي والحصار الاقتصادي على الفلسطينيين، ولكن هذا لا يعفي الفلسطينيين من مواصلة النضال والعمل على توحيد صفوفهم للدفاع عن قضيتهم واسترجاع حقهم الذي ضحت من أجله قوافل من الشهداء.