أصول القضايا السياسية هي، هي، وإن تغيرت الظروف المكانية والزمانية

أ. محمد مكركب/
من العصور القديمة في أعماق التاريخ وإلى العصور الوسطى مرورا إلى العصر الحديث، وإلى يومنا هذا فالذكي المخلص الجامع لصفات القائد العبقري هو، هو في كل زمان ومكان، يكون ناجحا، مبدعا، قائدا فاتحا منتصرا، سواء كان متعلما أو عالما، أو رجل أعمال، أو وزيرا، أو رئيس دولة، والفاشل هو، هو، في كل زمان ومكان، فالذين فتحوا الأندلس، كانوا بوسائل أقل من الذين ضيعوها، والذين فتحوا فلسطين والشام كانوا في ظروف عصيبة وفقر وقلة مال، بكثير من الذين باعوها وباعوا كرامتهم بالولاء للكافرين، والخضوع طواعية لأعداء الدين.
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدمَ أبَا البشرِ وأسكنه الأرض، وقال له ولزوجه، ومن بعده لكل أولاده: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ. قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ.﴾ (الأعراف:24،25) منذ ذلك الزمن، ومنذ بدأت المجتمعات البشرية تتكون وتنمو بمشيئة الخالق الرازق سبحانه، والأرض هي الأرض والماء هو الماء والفضاء هو الفضاء، إلى أن يشاء الله الفعال لما يشاء، والإنسان هو الإنسان، والحياة والموت هي الحياة والموت، وكل حركة وكل سكون لايكون إلا بإذن من إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. والخالق والرازق والمحي والمميت هو الحي الذي لايموت. لماذا تفشل كثير من الحكومات في التعامل مع التطور السياسي والتقني والاجتماعي؟ وبداية أقول متفائلا: هل فات الأوان؟ يعني هل المتخلفون سيبقون متخلفين؟ وهل ستبقى فلسطين محتلة بقية الزمان؟ وهل سيظل مصير شعوب العالم محكوما بأهواء خمس دول؟ وربما بقرار دولة منها يلغى مصير شعب كامل؟ الكلام موجه لحكام المسلمين عامة والعرب خاصة؟ وبكل تفاؤل مرة أخرى فإن الشعوب الضعيفة إذا ارادت وأخلصت النية والتوكل على الله سبحانه فإنها ستغير مجريات حياتها نحو العزة والتفوق، بحول الله العزيز الحكيم، وستغير خريطة العالم الدولية لصالح الإسلام والمسلمين، اللهم آمين.
فكم صال الرومان وجالوا وما نفعتهم صلبانهم، وكم عَرْبَدَ الفرسُ وغالوا، وما نفعتهم نيرانهم، وكم عبث الإنجليز والفرنسيون والإسبان في إفريقيا وما دامت لهم المستعمرات، فلم يستطيعوا أن يُذِلُّوا رقبة واحدة من رقاب الأبطال المجاهدين يوم المقاومة والجهاد الحق، فكيف أذلوا حكاما وهم تحت راياتهم المستقلة ()، وبين شعوبهم الحرة، ولكنها مغلوبة على أمرها؟؟!!.
فما الذي يتغير بالنسبة للمخلوقات؟ تتغير الظروف المكانية والزمانية، والوسائل الفرعية، والظروف لاتؤثر في الأصول، والقضايا السياسية عند الحكماء الأذكياء المصلحين تعالج بحسن التعامل مع الأصول وخصائصها الثابتة، أما العاجزون الذين يبنون سياستهم على التمني والتهريج فهم يتعاملون مع الفروع في دائر الظروف، يتغيرون متى تغيرت الظروف ويذهبون متى ذهبت الظروف أو يموتون وينسون كما تُنْسَى الظروف، إذا أقبلت عليهم الدنيا بزهرتها، نسوا المقاصد، وتمسكوا بالعوائد، وإن ابتلاهم الله بالأزمات غرقوا في المتاهات والصراعات، ثم إن العاجزين سياسيا لا يميزون بين المصالح العامة المستقبلية التي هي الأصل في علم المقاصد، وبين المصالح الخاصة الآنية التي هي من ثمرات المصالح العامة، وما تنبهوا لهذه الحقائق.
فما معنى قولنا:{أصول القضايا السياسية. هي، هي، وإن تغيرت الظروف المكانية والزمانية؟} وأبدأ بمثال ليتضح المقال، فلو قيل لحاكم من حكام هذا الزمان خصوصا من الحكام الاستبداديين الفاشلين، انظر كيف استطاع بإذن الله تعالى أو عمر بن عبد العزيز رحمه الله، القيام ببناء دولة قوية، وكيف حقق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والدفاعي، وأقام العدل، فكان المسلمون في عهدهم لهم الكلمة والسيادة والعزة. لربما قال أحدهم: ذلك زمان وهذا زمان، وذلك مكان وهذا مكان، وغير ذلك من المبررات والمعاذير التي لاتقوم بها حجة. لذلك قلت في المقدمة، الأرض هي الأرض لم تتبدل، وخصائصها هي نفس الخصائص، والإنسان هو الإنسان بنفس الخصائص، والقضايا هي نفسها. وإذا قال الحاكم المتعامل مع الفروع والبعيد عن الأصول: كان في وقت عمر بن عبد العزيز السيف والخيل، فَيُقَابَلُ أهلُ السيف والخيل، بالسيف والخيل، ولكن اليوم الأسلحة الذرية، بين البوارج والغواصات، والصواريخ العابرة للقارات، والطائرات المخفية ذات القيادة الآلية والقيادة البشرية، وغير ذلك من الأسلحة الفتاكة، فيكون الجواب لهذا الحاكم:{هنا مربط الفرس، وسؤالك هو جوابك!!! لَمَّا كان العدو في عهدهم يملك السيف صنعوا السيف، وانتصروا ودافعوا عن دينهم ووطنهم وكرامتهم، ولما صنع العدو اليوم ما صنع، لم تصنعوا شيئا لتقابلوا به ما صنوا؟؟؟؟!!!. أي هذا هو هدف النصيحة وجوهر اللوم، لما لم تصنعوا أقوى وأحسن مما صنعوا؟؟؟} والجواب واحد من اثنين: إما الفشل السياسي، وإما أن هذه الشعوب لاتلد رجالا قادرين بإذن العلي القدير. وهذا الثاني غير صحيح، لأن الأمة التي أنجبت الصالحين المسيرين، والعلماء المنظرين، والقادة الفاتحين، هي الأمة المسلمة نفسها، فيها ملايين الرجال الشباب، الذين يستطيعون بإذن الله تعالى أن يصنعوا ما لم تبلغه الأعداء. وإذن فالجواب الصحيح هو الأول، هو الفشل السياسي.
من أصول الحياة المعيشية الاقتصادية وجود: التراب، والماء، والهواء، والنار، والرجال، والمال، والمساحات الأرضية الكافية، والوقت، والحرية النسبية الكافية. فهل العجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأكل والشرب والثياب والمسكن، هل العجز في هذه المجالات له أسباب حقيقية؟ أم هو العجز السياسي التسييري، أم هو الخطأ في الإرادة السياسية، في حين أن المعيشة الاقتصادية مرتبطة بالتعامل مع الأرض التي لاتحاربنا بالقنابل الذرية، ولا بقرارات الأمم المتحدة بين قوسين، ولا الجامعة العربية بين معكوفين، أو بين فراغين.
إن أصول القضايا السياسية هي، هي، فالحاكم الذي يملك العلم، والحكمة، والشورى، والأخلاق، وقول الحق، والشجاعة السياسية، يستطيع بإذن الله تعالى أن يطور بلاده، ويُسْعِدَ شعبَه، ويبني المجتمع الفاضل، ويقيم الدولة القوية، ويحقق الاكتفاء الذاتي، سواء كان في جزيرة أو في صحراء، وسواء كان عدد السكان 10 ملايين أو مليارا ونصف مليار من السكان، فالحاكم العالم المخلص حاكم ناجح، والجاهل المرائي الظالم خايب جايح. قال محاوري: معنى هذا أن الحكومات الفاشلة هي السبب نفسه في الفشل؟ قلت: لاحول ولاقوة إلا بالله، أمازلت لم تفهم،؟؟ هذا أنت، فمتى يفهم الآخرون؟ أتشك في وعد الله تعالى؟ أم أن إيمانك ينقصه اليقين في التوكل على رب العالمين؟ وإذا لم تثق في كلامي ثق في كلام الله، يا عبد الله. بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ (سورة النور:55).