عواقــــبُ الاستـخفـــافِ بعــقــول الشــعــــــــــوب

د. محمد بوركاب/
أشدُّ أنواع الظلم الشركُ بالله و الاستخفافُ بعقول النّاس لصدّهم عن الحق وأولويات حياتهم وكرامتهم الإنسانية.
أما الأول: فلقول الحق سبحانه:{إِنَّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عظيمٌ}[لقمان:13] لأنّه اعتداءٌ على الخالق الرازق جلّ جلاله وعظمت كبرياؤه الذي لا يَغفر أن يُشرك به، لقوله سبحانه و تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء:48] وقال:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة:72].
ولخطورة الوقوع في الشرك سَدَّ اللُه جميعَ أبوابه، ومنها : تخليدُ العظماء الصالحين بالتماثيل التذكارية خشية أن تُعبدَ مِن دون الله، وهو ما حدث مع قوم نوح عليه السلام ، لقوله تعالى حكاية عنهم: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وُدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23] أي: لا تدعُنّ عبادتهم، وهي أسماء لقوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام، وقد نشأ قوم بعدهم اقتدوا بهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم كان أنشطَ لكم وأشوق للعبادة، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس : إنّ الذين مِن قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم. [انظر: زاد المسير في علم التفسير 373/1].
• وإذا كان تخليدُ ذكرى الصالحين بالتماثيل ممنوعا شرعا، فإنّ اتخاذها لشخصياتٍ فرعونية وثنية أشدُّ منعا وتحريما.
• بل الواجب على الحاكم المسلم وشعبه شرعًا، التبرءُ من كلّ وثنيّ ولو كان من قومه، قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4].
• فكيف تُعظَّمُ الوثنية بعد ذلك في بلدنا ويُروج لها عبر وسائل الإعلام، ثم نزعم أننا مسلمون و في بلد ينصّ دستوره على أنّ الإسلام دين الدولة؟!
وأما الظلم الثاني: فهو الاستخفافُ بعقول الشعوب لصدّهم عن الحقّ وقضاياهم المصيرية ليَظَلّوا دوما عبيدا لكُبرائهم.
وإذا كان قتلُ الأبرياء -لاسيما في الأشهر الحُرم- جريمة لا تغتفر- فإنّ صدّ النّاس عن الحقِّ أكبرُ وأخطرُ، لقول الحق سبحانه جوابا عن سؤال المشركين:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ثم بيّن لهم ما هو أكبر من ذلك، فقال: {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}[البقرة:217].
• وعواقب المُستكِبر المُستخِفِّ والمتابع المُستخَفِّ به، الهلاكُ كما هلك فرعون ومَن تابعه، لقوله تعالى {فاستَخفَّ قَومَهُ فأَطاعُوهُ إنّهُم كانُوا قَومًا فاسِقِين}(الزخرف54) والمعنى: وجَدَهم خِفافَ العُقول فاستهوَى ضَعف عُقولهم وقِلَّة عِلمهم، وطَلبَ منهم المُسارعة إلى إجابته ومتابعته فيما قَلَبَهُ لهم مِن حقائق، فأطاعوه لِفِسقهم وتَحقِيق شَهَواتهم ومطامِعهم على حساب عِزَّتهم وكرامتهم ومصالح بلدهم؟!
فكانت العاقبة: {فلَمَّا آسَفُونا انتَقَمنا مِنهُم فَأغرَقناهُم أَجمَعِينَ}أي: فلمّا أغضبونا انتقمنا مِنهم أجمعين، فأهلكنا التابع والمتبوع ليكونوا عِبرةً لمَن بعدهم {فَجَعلناهُم سَلفا ومَثَلا للآخِرِينَ} أي: جعلناهم سلفا مُتقدِّمين ليتعِظ بهم المتأخرون فالعقلُ نعمةٌ عظيمةٌ ، ولذلك جعله اللهُ مناطَ التكليف، ومِن هذا المنطلق:
1- فالوجب علينا أن نحترم عقولنا وأن لا نقبل أبدا أن يَستخِف بها ظالم مستكبر أو مُن يُسَوِّق ويروج لخِداعه وأكاذيبه، حتى لا يحيقَ بنا ما حاق بفرعون وقومِه
2- تقوية عقولنا وتوسيع مداركنا العلمية بكثرة القراءة والمطالعة حتى لا نُؤتى مِن قبل جهلنا فنُصدّق بالأساطير والأكاذيب ونقع في وَحَلِ مُفرزاتها ونغفل عن اولوياتنا وحقوق شعبنا ومصالح وطننا.
3- ثقافة الشعوب ومحاسن عاداتهم التي تزيدهم أُلفة وتماسكا، يُقُّرها الإسلام ويدعو إليها، لقوله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم {خُذٍ العَفوَ وأمُر بالعُرفِ وأَعرِضْ عنِ الجاهِلِينَ}(الأعرف199) وقد بُعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأحلاق.
فالمطلوبُ منا الحفاظُ عليها وحِفظُها وتطهِيرها مِن عادات الجاهلية الوافدة علينا، ولذلك خُتمت الآية بقوله سبحانه {وأعرِضْ عن الجاهِلين}ويلزم عنه الإعراضُ عن أفعالهم.
4 – على إخواننا الشرفاء في تيزي وزو تطهيرُ مدينتهم العريقة مِن تمثال الفراعنة المستورد ، بمنطِق العقل و الحُجَّة والبرهان كما طهَّر أهلُ قسنطينة مدينة العلم مِن التمثال الذي جُعل للإمام ابن باديس ظُلما وبهتانا.
5- فلنحرص جميعا على كلّ مايحفظ لنا ديننا ومصالح وطننا ويُعزِّز وحدتنا ، ولنبتعد عن كلّ ما يُضعف بلدنا ويُمزق صفّنا ، فالدِّينُ أمانة والوطن أمانة.