الجزائر العثمانية
ناجي جغابة */
استغرب بعضهم تصريحات الممثل والمخرج الفرنسي جيرارد ديبارديو -الذي كان سيمثل دور أحمد باي في أحد مشاريع وزارة الثقافة- عن الجزائر قبل احتلال الفرنسيين لها وكيف أنها كانت بلدا مزدهرا بطبيعتها وجغرافيتها وحضورها العلمي والحضاري؛ وهو بذلك يتكلم عن فترة العثمانيين ويتكلم عن أسوء حالاتها في نهاية التواجد العثماني؛ فكيف سيعبّر لو يطّلع على الازدهار الحقيقي الذي عرفته الجزائر خلال القرنين 16-17م؟
هل تعلم أن الجزائر-دار السطان (العاصمة) كانت تُلقب “بإسطنبول الصغرى” وأنه لم تكن واحدة من الحواضر العلمية المشهورة زمنها كالقاهرة والقرويين وفاس واسطنبول وغيرها تبزّها أو تفوقها في عدد الكتب الموجودة فيها؟
هل تعلم ان عدد الحواضر العلمية في شرق الجزائر وغربها تجاوز ال٢٠ حاضرة ومدينة علمية في الفترة العثمانية؟
هل تعلم أن خريجي المدارس العلمية في تلك للحواضر قدموا إضافات في الدرس الفقهي والعقدي والأصولي وفي كل العلوم الشرعية وفي العلوم القريبة كالفلسفة والتاريخ؛ وأن أغلبهم كانوا روافد وأساتذة في حواضر المشرق والمغرب؟
هل تعلم أن أغلب علماء الجزائر في تلك الفترة كانوا موسوعيين ومتعددي المواهب ولديهم من التصانيف ما خدم كل المجالات؛ وابحث إن شئت عن مصنفات أبي راس الناصري المعسكري.
هل تعلم أن الصحراء الجزائرية وحواضرها العلمية وعلى رأسها حاضرة توات لم تعرف حراكا علميا في تاريخها مثلما عرفته في ق11هجري/17م وهي فترة الجزائر العثمانية (توات لم تكن متصلة بحكم العثمانيين غير أن الشيخ باي بلعالم رحمه الله في كتابه الرحلة العلية يشير إلى أهل توات كانوا يدفعون الضرائب للعثمانيين (الدولة في ذلك الوقت) ولعلها أبرز أوجه الاعتراف بسلطة العثمانيين.
هل تعلم أنه في فترة العثمانيين زاحمت البوادي وقمم الجبال المدن العلمية كما يقول الشيخ البوعبدلي؛ حتى أن سعيد قدورة مفتي العاصمة وشيخه المطماطي الذي سبقه في خطة القضاء هما من خريجي معهد مجاجة الذي يقع في حاليا في بلدية الأبيض مجاجة بولاية الشلف (مناطق الظل)؛ ولعله السبب الأساسي لانخفاض نسبة الأمية بين الجزائريين بشكل كبير.
تطرح أحيانا بعض الافتراضات حول كون فترة العثمانيين فترة ركود ثقافي شديد ويضربون مثالا لذلك بخفوت نجم حواضر مثل بجاية في الشرق وتلمسان في الغرب؛ والصحيح أن بجاية انطفأ نجمها عند الغزو الاسباني لها سنة 1510 وهجرة الناس منها تجاه العاصمة وقسنطينة وبقية المدن؛ ولم يركد سوق العلم في تلمسان إلا بفعل التحرشات الاسبانية بها؛ وكذلك بعد تأسيس حاضرة مازونة ومدرستها المشهورة التي أسسها الشيخ محمد بن الشارف الاندلسي وبعدها معسكر بمدارس الراشدية وغيرها؛ فانقسم علماؤها بين مهاجر للمغرب الأقصى وبين مهاجر للحواضر القريبة التي أسست زمن العثمانيين.
هذا في المجال العلمي فقط ولا داعي للحديث عن الجانب السياسي والحضاري وإدارة البحر الأبيض المتوسط والجهاد البحري والاستعلاء في العلاقات وحمايتهم لبيضة الإسلام عموما والشمال الإفريقي خصوصا من امتداد محاكم التفتيش الإسبانية التي أرادت التمدد نحو جنوب ضفة المتوسط؛ ولو أن السلطة السعدية ذلك الزمن وضعت يدها مع أيدي العثمانيين في الجزائر لمكّن من استرجاع كثير من الثغور المغربية من الإسبان والبرتغال؛ والله المستعان.
بعيدا عن كل ما يقال عن الفترة العثمانية؛ لم تعرف الجزائر وحدة سياسية وجغرافية من قبل إلا فترة العثمانيين.
* طالب دكتوراه – تركيا.