قضايا و آراء

التاريخ بنكهة الايدولوجيا

أ. عبد القادر قلاتي

لا أفهم لماذا يخلط البعض في بلادنا، بين الهزل والجد وبين الحق والباطل، وبين الصدق والكذب، عندما يتعلق الأمر بقضايا التاريخ؟ أليس التاريخ هو عنوان الشعوب وحقيقة وجودها المادي والأدبي؟ هل كانت بلادنا بلا تاريخ حتى يتصدر كلّ من هبّ ودبّ ليكتب تاريخنا؟ أليس من العار أن نبحث في مسودات تاريخ الشعوب وننقل ما فيها، ثمّ ننسب هذا التاريخ لأنفسنا، دون خجل أو وجل؟ وكأننا نعيش في جغرافيا خارج منظومة هذا الكون، كلّ ذلك لنمحو تاريخا آخر ارتبطنا به، وارتبط بنا، وصار لنا عنوانا، وصرنا له حفظة وناقلين، أليس في بلادنا علماء ومفكرون ومؤرخون نرجع إليهم ونأخذ منهم، وهم الثلة المنوط به كتابة التاريخ والفصل فيه؟ كيف نترك ثلة من المؤدلجين، والمرضى بالعداء للعربية والإسلام، أن تفرض قراءاتها وتأويلاتها للتاريخ انطلاقاً من مرجعيتها الفكرية والأيدلوجية المتهافتة؟. من أعطى الحق لهذه الثلة التحدث باسم الأكثرية من أبناء الوطن المنسجمة مع روح الثقافة الوطنية والانتماء الحضاري؟ أليس لنا الحق في رفض تاريخ مزور ومشوه يكتب لهذا البلد، من أجل تكريس ثقافة أخرى لم يعرفها آباؤنا وأجدادنا من قبل؟ ثمّ متى كان التاريخ يكتشف في لحظة عابرة؟، أليس التاريخ حركة متجددة تسري في كيان الشعوب وتُورَثُ من جيل إلى جيل؟.
نعم إنّ الذين يريدون أن يكتبوا تاريخنا مفصولاً عن انتمائنا الحضاري، الذي اختاره أجدادنا عن وعي، يكتبونه ممزوجاً بنكهة أيديولوجية، تجعله تاريخا بلا روح، تسري بين ثناياه لغة الانفصام والتشظي، ويحركه خطاب الخصوصيات المجهرية، التي تلغي المشترك الحضاري الجامع لصالح مظاهر ثقافية بالية، تنتمي إلى مجال ما قبل الدولة الحديثة، وتحوّلها من مجرد مظاهر ثقافية إلى ايديولوجيا معادية للمشترك الحضاري الذي ظلّ يهيمن على مسارنا التاريخي لقرون طويلة، دون أن نقف لحظة لنختار بين وعي وآخر، فما الذي تغير في واقعنا الثقافي حتى تحوّل جزء من كيان هذا البلد، ليبحث له عن مرجعية ثقافية وربما دينية أخرى؟ وكأنّ لسان حاله يقول: أنا مختلف عن باقي مكونات هذا المجتمع؟ أنا لي تاريخ مفصول عن تاريخكم، ولي رصيد ثقافي مختلف تماماً عن ثقافتكم، تجمعنا جغرافيا نحن أصحابها الفعليون، فمن الطبيعي أن يكون تاريخي القومي والديني مختلف أيضا.
هل من المعقول أن نتحدث عن التعدد التاريخي للمجتمع الواحد، كما تحدثنا عن التعدد اللغوي والثقافي والديني؟ أليس هذا انتحارا نمارسه بوعيّ وإدراك وكأنّنا اخترنا المغامرة والمقامرة بوجودنا الحضاري؟. للأسف الشديد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com