كن أبا خيثمة
مداني حديبي/
أبو خيثمة صحابي جليل تخلف عن غزوة تبوك، وجلس مع زوجتيه في ظل ظليل وماء نمير وفاكهة كثيرة… ثم انتبه لحاله فقال: رسول الله في الحر الشديد والجهد والتعب والعطش وأنا في الدعة والنعيم…؟!
فندم ندما شديدا، وقام من مقامه والتحق فورا بالحبيب صلى الله عليه وسلم.
ولما سأل رسول الله : «..ماذا فعل أبو خيثمة..؟»، فأجابه رجل من الحاضرين.. ألهاه النظر إلى جانبيه..
فرد عليه أحد الصحابة.. بئس ما قلت..
والله ما علمنا عنه إلا خيرا..!
فرأوا سوادا من بعيد فقال رسول الله: «كن أبا خيثمة..فكان».
….
عبر ودلالات:
_ هذا صحابي عاش في أطهر مجتمع مع صفوة الصفوة ومربيه الأول القدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع كل هذا ارتكب كبيرة من الكبائر العظمى، وتخلف عن الغزو بقيادة رسول الله وفضل الظل الظليل، والقعود في البيت على الجهاد المتعين.. لكنه صحح الخطيئة واستيقظ سريعا، وتاب من قريب..
فالصحابة ليسوا ملائكة معصومين بل بشر يخطئون ويصيبون ويتعثرون وينهضون…
فعلينا أن نصحح تلك النظرة المثالية الحالمة التي ترى باللون الأبيض الناصع أو الأسود الحالك..
_حتى في مجتمع النبوة يوجد التجريح والغيبة والنميمة والبهتان .. فقد لمزه صحابي بأنه انغمس في اللهو وترك الجد وتولى يوم الزحف.
_ في نفس الوقت يوجد أهل الوفاء والمعدن النفيس، فقد نافح عنه ذاك الصحابي وشهد له بالخيرية والفضل.
_لم يفقد الأمل المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم في أبي خيثمة، وظل يترقب عودته وتوبته، فلما رأى أول بصيص أمل تقين أنه هو .. فتحول السواد إلى ضياء مشرق.
_ فلا نيأس من أي إنسان حينما يخطئ، ويترهل ويتخلف وينقطع.
بل نتيقن من عودته وتوبته وأوبته..
– وعلينا أن ندافع عن عرض أي إنسان فاضل مخطئ، ونلتمس له الأعذار والمخارج ونحمل فعله على أحسن المحامل، وندافع عنه حينما يغتابه أي مغتاب..
_ أبو خيثمة يوجد في كل جيل وقبيل وزمان ومكان..فتورا وتخلفا.. ثم عودة وإنابة ويقظة..ويقينا وأملا.
فقد تكون يا قارئ هذه الكلمات مثله.. قد فترت بعد شرة، وتركت تلاوة مصحفك بعد لذة وانغماس.. وتكاسلت عن صلاة الفجر بعد إقبال واقتباس.. وترهلت بعد قوة ونشاط وحيوية وطول أنفاس…؟!
فلن نفقد أملنا فيك.. وإننا لنراك قادما من قريب..
فكن أبا خيثمة…