هل تؤدي سلطة ضبط السمعي البصري مهامها؟

أ: محمد العلمي السائحي/

إن للإعلام دورا بالغ الأهمية في صناعة الرأي العام، والتحكم فيه، وتوجيهه الوجهة التي تخدم استراتيجيات الدولة، تلك الاستراتيجيات التي وضعتها وفقا للأهداف والغايات التي تريد تحقيقها، وهي تصبو إلى أن يتم ذلك بأيسر الطرق، وأقل التكاليف، وللإعلام دور هام في ذلك لأنه يتكفل بتجنيد الناس من خلال ما تقدمه مختلف أدواته ووسائله، من برامج، وتحليلات، وأخبار وأنشطة فنية ومسرحية يتم استغلالها في إقناع المستمع أو المشاهد أو القارئ بما تبنته السلطة من خطة لتحقيق ما يخدم الدولة من أهداف وغايات تكسبها رضا وقبولا في الداخل، ومصداقية في الخارج.
ولذلك اعتدنا أن نرى أن أول ما يحرص عليه الانقلابيون عند قيامهم بانقلاباتهم في دولهم هو وضع أيديهم على مقار المؤسسات الإعلامية، حتى يسهل عليهم تكييف الرأي العام المحلي والدولي، وجعله يتقبل مسعاهم، ويقف إلى جانبهم.
وهذا معناه أن السلطة السياسية في أي بلد كانت ليست في حاجة إلى امتلاك المؤسسات الإعلامية بل هي في حاجة أيضا للسيطرة عليها، وذلك من خلال مراقبة عملها والسهر على أن يتم في إطار الدستور والقوانين المسطرة، لأنه كما يمكن للإعلام تجنيد الناس لخدمة أهداف الدولة وغاياتها، فإنه بإمكانه أن يجند الناس ليكونوا ضدها، وذلك لأن تنوع وسائل الإعلام وأدواته يسمح له باستخدام وسائط ثقافية وفنية لبرمجة العقول، وإثارة المشاعر، وقد رأينا ذلك في الإعلام النازي، في الحرب العالمية الثانية، وفي الإعلام القومي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ورأيناه أيضا في الحرب الباردة التي نشبت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.
وإذن فمن المهم والضروري أن تسهر السلطة السياسية في الدولة على مراقبة مؤسساتها الإعلامية حتى تطمئن إلى أنها تنشط في إطار القوانين المنظمة لعملها، حتى لا تنقلب عليها، وتعمل ضدها، لصالح أجندات سياسية، داخلية أو خارجية، حتى تكتشف ذلك في حينه، قبل أن تتفاقم الأمور وتخرج عن السيطرة، ويكون الفتق قد اتسع على الرقع، والوقت قد فات، ولم يعد التدخل مجديا، والإصلاح ممكنا.
ولعلّ القارئ يسأل:لماذا أثرت هذا الموضوع؟ وما الغاية التي ترمي إليها منه؟ والجواب عن ذلك، أن الذي شدني إليه هو أن وسائط التواصل الاجتماعي قد تعرضت بالنقد لقنواتنا الفضائية، واتهمتها أنها عنصرية، وتعمل ضد الوحدة الوطنية ، فلا تعنى في برامجها إلا بمناطق معينة، بمعنى أنها ذات نزعة جهوية، كما أنها لا تستعين في تحليلاتها وفي برامجها التنشيطية، إلاّ بشخصيات تنتمي للمنطقة التي تروّج لها، فدفعني ذلك إلى مراقبة هذه القنوات، فكان واقع حال أغلبها على ما وصفت مواقع التواصل الاجتماعي،أي أنها بالفعل تبدو عليها المسحة العنصرية والنزعة الجهوية واضحة للملاحظ، عندها وجدتني أسأل نفسي أين سلطة ضبط السمعي البصري وهل تقوم بمهامها فعلا؟
والجواب هو أنها غائبة عن الساحة على حسب ما يبدو، لأنها لو كانت موجودة وتقوم بعملها، لانتبهت إلى أن أغلب القنوات تغلب اللهجة العامية على الفصحى، في حين يفترض فيها أن تلتزم بالدستور الذي نص على أن العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للجزائر.
أنها لا تتحرج في السماح للضيوف باستخدام اللغة الفرنسية، وذلك أيضا يقدح في مصداقيتها لأنه يتوجب عليها حمل ضيفها على احترام اللغة السيدة في الجزائر.
التركيز على الاحتفاء بأعياد وعادات وتقاليد منطقة بذاتها، وعدم الالتفات إلى الجهات الأخرى من الوطن، يصم هذه القناة أو تلك بالعنصرية والجهوية.
ومعنى ذلك كله أن هذه القنوات الفضائية تعمل ــ سواء اعترفت بذلك أم أنكرته ــ ضد الدولة الجزائرية، وهي بمسعاها ذلك تخدم أجندة داخلية تستند إلى قوى خارجية ترمي إلى تقسيم الجزائر، عن طريق ضرب وحدتها الوطنية التي هي حصنها الحصين ضد مطامع القوى الأجنبية التي تسعى لبسط هيمنتها على الجزائر السيدة المستقلة.
وإذن على السلطة السياسية أن تصحو من نومها، وتأخذ زمام الأمور بيدها، وتلزم سلطة ضبط السمعي البصري على حمل هذه القنوات المارقة على العودة إلى الصف، وإفهامها أن الجزائر أكبر بكثير من أن تحصرها في منطقة معينة بذاتها، وعليها أن تفعل ذلك عجلا، قبل فوات الأوان، وزوال السلطان، وخراب البلاد، وضياع العباد.

Exit mobile version