كـــي لا يصطـــــاد في الـماء العكــــــر!!! / (رد على المقال الذي كتبه الدكتور محمد مراح بعنوان: «تنبيه على مقال مغامر!!!»)
أ. عزالدين مصطفى جلولي*
1- الحرية في الرأي والتعبير عنه مكسب افتكه الجزائريون افتكاكا، وزمن التخويف قد ولّى إلى غير رجعة. ثم إنّ لكلّ طريقته في معالجة قضايا الأمة الجزائرية التي أرّقت الصبايا والصبيان، واستعصى حلّها على الشيب والشبان، ومن تلظى بنار الأزمة التي يعيشها شعبه يدرك أي باب ينبغي أن يطرق، وفي أي طريق ينبغي أن نمضي ونسير.
2- الواصف نفسه بالدكتور محمد مراح، وما أكثر الدكاترة في الجزائر، حرر مقالا بعنوان: («تنبيه على مقال مغامر!!!»، نشره في «البصائر» بتاريخ: 03- 09/01/2021م) خانته فيه موضوعية الرّد على مقالي («براءة من النّاس إلى أهلنا في الأوراس»، المنشور في «البصائر»، بتاريخ: 20- 26 ديسمبر 2020م)؛ فتحدث في مقاله بأسلوب تهكمي مخابراتي مكشوف، واصفا مقالي بـ «المغامر»، ولست أدري أي مغامرة عنى؟ عجبا أفي الحديث عن السلطة الفعلية للبلاد مغامرة؟! وبدل أن يدافع عن النمامشة، -طبعا متقمصا لا موكلا – وجد نفسه يدافع عن مؤسسة الجيش، وأغلب ظني أنهم كلفوه؛ وفي لا وعيه تماه مفضوح بين الحاضن (الشاوية) والمحضون (الجيش)؛ إذ التلويح بـ «خطورة المقال على الأمن العام»، وتحريض منبر «البصائر» على الأقلام الحرة، أسلوب معروف ينضح بما لدى صاحبه من نوايا غير ودية، ناهيكم برغبته عن المحاورة العلمية.
3- الأوراس الأشم أرضنا وأهله أهلنا، والشاوية قومنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا؛ واجبهم نحو الجزائر في الثورة الأولى قدموه، وواجبهم اليوم ينبغي أن يفعلوه؛ وما هو عن العمل لـ«إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية» ببعيد، كما جاء في بيان ثورة التحرير في الفاتح من نوفمبر 1954م. بعبارة أوضح: يتوجب على أهلنا في الأوراس نصح أبنائهم الضباط في الجيش الوطني بواجب تصحيح مسار الدولة في إطار دستوري من دون الحيد عن روحية بيان الثورة التحريرية.
4- العسكرية في الإسلام رجولة، وقيادة الجيوش شرف وبطولة، فلِم مدافعة ذلك ونكرانه لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها؟ والأولى بصاحبنا المنافح عمن فوضوه أن يقول على لسانهم: (هذه تهمة ننكرها ولكنه أيضا شرف لا ندعيه). إنني لم أر صاحبنا في مقاله- الرد ناقدا للمؤسسة العسكرية قط، وما أكثر نقادها، بله تاركا بينه وبينها مسافة تستدعيها الكتابة الموضوعية، بل رأيته عليما بتشكيلاتها، عارفا بقادتها، مدققا لتاريخها، مخاصما عنها أشد ما يكون الخصام؛ ربما ينم ذلك عن الوظيفة الحقيقية لكثير من المتدثرين بالبدل الدينية والإفرنجية، فكم من عسكري تراه في لباس مدني.
5- ما قاله صاحبنا في مجمله يجانب الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني، ومحاولة منه للاختباء وراء الإصبع الخنصر وتغطية شمس الظهيرة بالغربال. إن التستر على الواقع عمّق الألم وراكم الفساد حتى أصبحت له مخالب وأنياب. إن في ذلكم خدمة مجانية، أو مدفوعة الأجر، لمن لا يريد المصارحة في هذا الشأن. والمصارحة بداية كل بناء صحيح، وقد صارحت أهلنا في الأوراس بما هو معلوم من العسكرية بالضرورة في الجزائر. وليت صاحبنا يعلم من التاريخ، كما ادعى لنفسه وحدها، ليرفع عنه جهلا بما قاله العلامة ابن خلدون -رحمه الله -، مؤسس علم العمران، عن العصبية وأثرها في بناء الدول، والعصبية القبلية لا تزال حاضرة في دول العالم العربي من محيطه إلى خليجه، تفعل فعلها فيهم قياما وسقوطا في العصر الحديث، كما فعلته بهم في العصر الوسيط.
6- إن كل من يحس بنبض شعبه وأمته يتكلم على لسانهم، ومن وكلني بالحديث عن عامة الناس ليس هو من حرضك لتحامي عن الجيش بالباطل، فجمعت بين ثلاث إساءات: الأولى لنفسك المتقمصة، وأخرى للنمامشة الذين لم يوكلوك، وآخرة للجيش الوطني الذي أبيت أن تقدم له نصحا، في وقت يقدم إليه كل الناس نصائح، وهو يولي «مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا». أما النمامشة فهم من عموم الناس الذين تكلمت عنهم وإليهم في مقالي. ولتعلم أن «المامشة» كما فضلت مناداتهم هم النمامشة؛ على عادة العرب المستعربة في تخفيف النطق بالألفاظ زيادة أو حذفا، ولا مشاحة في الاصطلاح ما دام «الحاج موسى هو موسى الحاج» كما يقول المثل الشعبي الجزائري أيها «الفاهم»!.
7- جمعية العلماء رموزها وصحائفها اكتوت بنار السلطة الفعلية في العهد الاستعماري وبعد «الاستقلال» كذلك، ولا أدل من مقرها الرسمي المتهالك بحسين داي اليوم على الظلم والتهميش الذي تعرضت له جزاء على جهادها في التحرير وفاقا. والجمعية تعي جيدا، بل أكثر من غيرها، واجبها في إصلاح الشأن العام وما يستدعيه ذلك من ثمن قد يدفع لقاء الكلمة الصحيحة الحرة.
8- «من فمك أدينك» كما يقول المثل العربي، فقد قال صاحبنا (في مقاله- الرد) أني وصفت أهلنا في الأوراس «بأخلاق مهينة: الجبن والخديعة والمكر والتربص»، فليرجع القارئ الكريم إلى نصي المنشور وليبحث له عن هذه الجملة، ثم ليقل أينا أحسن حديثا؟ ومن منا أصدق قيلا؟ ذلك أسلوب عهدي به أسلوب النظام السياسي في زمن العصابات، عندما يحاور الحرائر والأحرار، وصاحبنا يتقن جيدا أسلوب النظام!.
9- وردت ألفاظ نابية، هي جملة ما فهمه صاحبنا من مقالي، أضطر لإعادة بعضها هاهنا معتذرا من القارئ الكريم: «تهديد وافتئات، افتراء، خيالات باردة سخيفة عقيمة مغرضة…»، هي لب ما فهمه من مقالي! وعجبت من تراجعه بعدها بكليمات حين قال: «لن أحاكم النوايا» فوقع في تردد وارتباك أضعف موقفه الذي تقمصه. ثم ما شأني أنا بما فهمه عقله؟ فلله در المتنبي حين قال:
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفتـــــه من الفهم السقيم
10- إذن، يتحمل الضباط الشاوية، لكثرتهم ونفوذهم في المؤسسة العسكرية، النصيب الأوفى من تدهور الأوضاع في البلاد، ووحدهم، من يستطيع تصحيح المسيرة وإعادة الحق إلى الشعب المضيوم في اختيار برامجه وقادته اليوم اليوم وليس غدا؛ فشعبنا «يطمح قبل كلّ شيء إلى الوحدة والسلام والرفاهية، وأن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم، يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية، لا من مذاهب أجنبية»، كما قال العلامة الإبراهيمي في بيانه الشاهد على اغتيال الثورة في 16 من أفريل 1964م.
11- من لا يعرف للناس أقدارهم لا يعرف له الناس قدرا، وقد تهكم صاحبنا بوظيفتي، وليته عرفني. وليعرف عني إذن معلومة أخرى قد تفيده هو ومن حرضه، إنني كنت مراسلا من الخارج لجريدة «البصائر»، لسان الصدق في الجزائر، ومقالاتي تنشر في منابر دولية إلى الآن؛ وذلكم لعفة قلمي وصدعه بكلمة الحق، ولم يكن قلمي البتة قلما مأجورا، بيد شخص كان مغمورا، يقول للنّاس مقالا مبتورا.
هذا، وقد اقتضى رده ردي بحق النشر وواجب التوضيح والبيان، والله من وراء قصدي، وهو يهدي السبيل.
* كاتب وأستاذ جامعي