الدكتــــور محمــد قـــدور، أستاذ التــاريــخ الحديـــث والـمعـــاصـــر فـي حــــوار للبصائر:

|
حدثنا الدكتور محمد قدور، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بالمركز الجامعي “مرسلي عبد الله” بولاية تيبازة، في حوار خص به جريدة البصائر الجزائرية، عن اشكالية كتابة التاريخ الجزائري الحديث والمعاصر، وعن مستوى تكوين الباحثين ومستوى أداء البحث التاريخي في الجامعة الجزائرية، ومدى مساهمة هؤلاء الباحثين في تطوير البحث التاريخي على المستوى العالمي، كما تطرق الدكتور محمد قدور إلى مجالات البحث الجديدة في الجامعة الجزائرية، ونوعية مواضيع اهتمام الباحثين اليوم في التاريخ، كما أشار الباحث في تاريخ الجزائر في الحوار إلى تحديات البحث في تاريخ الجزائر وأهم ما يعيق هذا البحث والباحث في هذا المجال.
حاورته: طاهي فاطمة/ |
باعتباركم، أستاذ التعليم العالي والبحث العلمي، ما هو تقييمكم لمستوى وأداء البحث التاريخي في الجامعة الجزائرية؟
* كما يُقال العمل بنتائجه، فعندما نتحدث عن تقييم نتائج البحث العلمي لابد أن نستحضر الإنتاج العلمي في مختلف التخصصات، فنظريا هناك كم هائل من المؤلفات تنشر سنويا سواء في شكل مقالات أو كتب أو حتى ندوات علمية دولية ووطنية دون أن ننسى المجلات العلمية التي تهتم بالبحث العلمي والتي بدأت تشق طريقها إلى العالمية بفضل الطريقة الجديدة التي اعتمدتها الوزارة ممثلة في البوابة العلمية ASJP والتي من خلالها تصبح الأعمال العلمية مرئية وعالمية بفضل اعتماد التصنيف الدولي للمجلات واعتماد اللغة الإنجليزية في معظمها وضمان هيئة علمية دولية لتحكيم المقالات، هذا دون نسيان اهتمام الدولة ممثلة في وزارة التعليم العالي بهذا الجانب بتوفير الإمكانيات سواء ما يخص تجهيزات مخابر البحث أو تمويل التربصات بالعملة الصعبة إضافة إلى القوانين المنظمة للبحث العلمي، وضمان تأطير كمي ونوعي، لكن الذي يؤسفنا هو أننا لا نجد أثرا لهذه الأبحاث على المستوى العالمي حيث غابت الجزائر عن التصنيف بين أهم الجامعات العالمية، رغم أن أبناء الجزائر يصولون ويجولون في أعتى جامعات العالم. وهنا مكمن الخلل فلابد من اتباع استراتيجية محكمة تتبناها الدولة لضمان الرقي بالبحث خاصة في التحفيز والحرية، فكما يقول أحد الفلاسفة “لن تجد عملا متقنا إلا إذا عمله صاحبه بحرية” فلا يعقل أن نطلب من الباحث الإنتاج وفوقه مجموعة قوانين تحد من حريته.
حدثنا دكتور عن إشكالية كتابة التاريخ الجزائري الحديث والمعاصر؟
* كتابة التاريخ تستند إلى الوثيقة ومادامت الوثائق مكتنزة في شكل أرشيف سواء أرشيفنا الوطني أو الأرشيف الفرنسي فلا يمكن أن نكتب التاريخ بموضوعية، في الفترة الأخيرة بدأت بعض الوثائق تخرج متواترة سواء في شكل أرشيف أو شهادات حية لصناع الحدث جعلتنا نعيد دراسة بعض الأحداث كنا تعتبرها من المسلمات، والأكيد أن الكثير منها سيظهر تباعا لذلك سوف نشهد ثورة في الكاتبة التاريخية، ولن يتأتّى هذا إلا إذا قمنا بتكوين جيل من الباحثين همهم البحث عن الحقيقة ملتزمين بالموضوعية ونبذ الجهوية والعصبية والذاتية وسوف يكون على عاتق الجامعة ومخابر ومراكز البحث إنجاز هذا الدور الهام.
حدثنا عن واقع مذكرات الماجستير والدكتوراه المتحصلة على تقدير جيد جدا والجديرة لتكون مراجع تثري المكتبة التاريخية الجزائرية؟
* التقييم الخاص بمذكرات الماجستير والدكتوراه تختص به لجان مناقشة تخضع بدورها لمعايير تشكلها اللجان والمجالس العلمية التي تحرص على أن يكون أعضاء هذه اللجان مؤهلين ومختصين وبالتالي فتقييمهم سيد، إلاّ أن هذا لا يمنع أننا لاحظنا ان هناك بعض التفاضل في تشكيل في هذه اللجان مثل احتكارها من طرف أشخاص بعينهم بعيدا عن التخصص الضيق وهذا ما يفقد تقييم الرسالة أهميته وجديته، إلا أنني اعتبر أن هذا الأمر محصور جدا، ومن المفروض أن تتم كتابة أسماء لجنة المناقشة على الشهادة النهائية حتى يتحمل كل شخص مسؤوليته أمام الله وأمام الجميع. ويبقى أن هذه الرسائل تبقى مرجعا مهما للباحثين فيما بعد تثري المكتبات ومنها من تحولت إلى كتب وأصبحت مرجعا للباحثين في العالم.
دكتور ما هي الاهتمامات الجديدة للباحثين في تاريخ الجزائر؟
* اعتقد أن البحث في تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية هو أهم المجالات التي تستقطب الباحثين في التاريخ طبعا دون نسيان التخصصات الأخرى، ومجال اهتمام الباحثين اليوم انتقل من التاريخ العام إلى التاريخ المجهري الذي يسعى لكشف أغوار وأسرار وأحداث قريبة ومحيطة بنا مثل البحث في جزئيات تاريخنا مثل تاريخ الشخصيات والتاريخ المحلي، المعارك الصغيرة الخ، وهذا أمر إيجابي لأنه يزيل الغبار عن أحداث وشخصيات ظلت لفترة طويلة مُهملة، كما أنه يُخرج الباحث من دائرة الروتين التي استحوذت عليه مدة طويلة، هذا إضافة إلى البحث في المواضيع التي كانت تُعتبر إلى وقت قريب من المُحرّمات أو الطابوهات لما تُثيره من جدل ورغبة في معرفة أسرارها.
وماذا عن مستوى تكوين الباحثين ومدى مساهمتهم في تطوير البحث التاريخي على المستوى العالمي؟
* «الباحث في التاريخ اليوم يتمتع بامتيازات لم تتح لسابقيه»، أولها وجود عدد مُعتبر من المؤطرين المتخصصين عكس السابق حيث كان يؤطر طالب الماجستير أستاذ برتبة ماجستير، فاليوم عندنا دكاترة وبروفيسورات في مختلف التخصصات يشرفون على طلبة الدراسات العليا، كذلك توفر المادة العلمية من كتب وأرشيف ساهم فيه تطور الوسائل التكنولوجية حيث أصبح الباحث من مكتبه يطالع أمهات الكتب والوثائق ويُحمّلها بكبسة زر، وقبل كل هذا وذاك الظروف التي توفرها وزارة التعليم العالي مثل تجهيز مخابر البحث لمساعدة الباحثين وتوفير منح الاقامة في الخارج، وإبرام الاتفاقيات العلمية التي ساعدت في تكوين عدد معتبر من الباحثين، هذا الأمر يمكنه ان يرفع من مستوى ونوعية البحث العلمي للوصول لمصاف الجامعات الكبرى تبقى فقط الإرادة من طرف الباحث.
حدثنا كذلك دكتور عن معوقات البحث العلمي حول تاريخ الجزائر؟
* لا يخلو البحث العلمي من معوقات ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في الوضعية التي هو عليها اليوم ومن أهمها بقاء الأبحاث محصورة داخل الجامعة أو بين طيات وثائق الملتقيات فليست هناك سياسة لتجسيدها على أرض الواقع ودليلنا في ذلك أن كل التوصيات التي تخرج بها الملتقيات المهتمة تبقى حبرا على ورق، من جانب آخر يبقى للجانب المادي دور هام في تحفيز الباحث فأجورهم زهيدة ومكافئاتهم شبه منعدمة وهذا ما يجب أن يتجسد في مضاعفة ميزانية البحث العلمي من أجل تحفيزهم، من جانب آخر التسيير العشوائي وبعض الصراعات الشخصية في مراكز ومخابر البحث وافتقادها إلى قيادات مؤثرة في تسييرها وعدم التنسيق بين المخابر المتخصصة أدى إلى غياب استراتيجية بحثية واضحة أفقد البحث العلمي بريقه، مع كل هذا ثقل التعليمات والتعقيدات الإدارية، ويمكن أن نضيف إلى هذا عدم الانفتاح على المحيط الاقتصادي جعل الأبحاث العلمية تبقى مجرد توصيات نظرية.
بعد إطلاق التلفزيون الجزائري لقناة الذاكرة، كيف ستساهم هذه القناة في توثيق الذاكرة الوطنية على شكل وثيقة حية سمعية بصرية لتكون كذلك مرجعا ملهما للأجيال القادمة وموسوعة تعيد لنا كل تفاصيل التاريخ؟
* مشروع قناة تهتم بالذاكرة مشروع هادف يبقى فقط أن يسند إلى مختصين وأن ينفتح على كل المواضيع مهما كانت طبيعتها وإشكاليتها، ولا يعيد الممارسات السابقة، فبإمكان هذه القناة ان تساهم في الوقوف في التوجيه الممنهج الذي تمارسه القنوات الأجنبية وخاصة الفرنسية المهتمة بالتاريخ المشترك والتي حولت كل الكتب التاريخية وعلى رأسها كتابات كوريار وسطورا وغيرهم إلى أشرطة وثائقية أصبحت المرجعية لعديد المؤرخين والباحثين عندنا، لذلك فلا بد من استراتيجية إعلامية لتأمين تاريخنا فهي لا تقل أهمية عن الاستراتيجية السياسية أو حتى العسكرية في أداء الدور المنوط بها.
حدثنا دكتور عن المنهجية العلمية للباحث في عصر العولمة أو الباحث الجديد ؟
* العولمة جعلت العالم قرية صغيرة وانعكس ذلك بطريقة إيجابية على البحث العلمي حيث أصبح الباحث يسبح في بحر من المكتبات والجامعات ويتواصل مع الأساتذة والمختصين ويشارك في الملتقيات والندوات بطريقة سهلة سلسة، هذا الأمر جعله يربح الوقت من جهة ويثري رصيده المعرفي وينمي كفاءاته ويقف على منهجية وطريقة وآليات البحث من جهة ثانية.
شكرا لكم دكتور، نصيحتكم للطلبة والباحثين الجدد، كيف يبحثون وكيف يقرؤون ولمن يقرؤون؟
كنصيحة للمقبلين على البحث من طلبة الماستر أو الدراسات العليا نقول لهم أول طريق البحث هي المطالعة ثم المطالعة، مع الحرص على التواصل مع أهل الاختصاص وحضور مجالس العلم من ندوات ومحاضرات ولا تستصغروا أيا منها، والتواضع في طلب العلم سؤال أهل العلم فكما قال الإمام الشافعي: “لا يزال المرء عالما ما دام يطلب العلم فإن ظن أنه علم فقد جهل”.
نبــــذة عن الدكتــــور محمد قدور
|