مؤلفون وكُتاب قرأت لهم واستفدت منهم الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده -رحمه الله – (1849-1905)

أ.د/ مسعود فلوسي*/
رائد الإصلاح والنهضة في مصر والعالم العربي والإسلامي في العصر الحديث، المفسر المجدِّد، والمفتي المجتهد، والمربي المرشد، والمصلح الموجِّه، الأستاذ الإمام الشيخ محمد بن عبده بن حسن خير الله رحمه الله.
قرأت ما تركه من مؤلفات وما جُمع له من مقالات، كما قرأت الكثير مما كتب عنه من مؤلفات وبحوث ودراسات.
أول ما قرأت له وأنا طالب في المرحلة الثانوية، كتاب «تفسير القرآن الكريم: جزء عم»، الذي وجدته في إحدى المكتبات في مدينة باتنة، فاشتريته وعكفت على قراءته، وهو تفسير مدرسي مبسط، اعتنى فيه بشرح الألفاظ ومعاني الجمل، مع العناية بالربط بين الآيات وذكر أسباب النزول إن وجدت، والتقديم لكل سورة بمقدمة موجزة تحدد موضوعها العام.
وفي المرحلة الجامعية قرأت كتابه «الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية»، في الطبعة التي نشرتها المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر سنة 1988، وهو رد مُفحِم على أحد الكتاب المسيحيين الذي قال: «إن المسيحية كانت أكثر تسامحا مع العلم من الإسلام، وإن الإسلام أكثر اضطهادا للعلم والفلسفة من النصرانية»، حيث أثبت الإمام أن هذا الكلام مجرد افتراء لا أساس له من التاريخ ولا من الواقع، مؤكدا أن الحقيقة والواقع على خلاف ما ادعاه هذا الكاتب المسيحي، فإذا كانت المسيحية المحرفة –بناء على أصولها التي قامت عليها – قد اضطهدت العلماء ومنعتهم من التفكير والتعبير وقام رجالها باضطهاد كل من يفكر أو يشتغل بالعلم والفلسفة، فإن الإسلام – بناء على أصوله أيضا – هو الدين الذي أعلى من شأن العلم ودعا الناس إلى استعمال عقولهم والتفكير بها في كل شؤونهم، وشجع على ارتياد دروب العلم والمعرفة وقامت في ظله حضارة عظيمة ازدهرت فيها العلوم والمعارف المختلفة الدينية والدنيوية.
وهناك كتاب آخر للإمام يحمل عنوانا قريبا من عنوان هذا الكتاب، وهو «الإسلام دين العلم والمدنية»، ألفه في الرد على وزير الخارجية الفرنسي هانوتو الذي نشر في جريدة «الجرنال» الباريسية مقالا اتهم فيه الإسلام بمعاداة العلم والمدنية وأنه هو السبب في تخلف المسلمين وجمودهم وعجزهم عن مسايرة التطور والمدنية الحديثة، حيث انبرى له الإمام برد علمي قوي نقض به دعواه وأبطل به افتراءاته.
قرأت كذلك كتابه «رسالة التوحيد» الذي ضمنه عرضا لمسائل العقيدة الإسلامية بأسلوب تعليمي مبسط، مع تمهيد تحدث فيه عن منهج القرآن الكريم في عرض مسائل العقيدة، ثم تطور البحث في مسائل العقيدة بعد عصر النبوة والخلافة الراشدة وما شهده التاريخ الإسلامي من ظهور الفرق الإسلامية والاختلافات التي نشبت بينها في بعض المسائل العقدية، وما ترتب على ذلك من خروج بحوث العقيدة عن طابعها الهدائي وتحولها إلى بحوث كلامية جدلية.
كما قرأت الكثير من آرائه في التفسير التي ضمنها تلميذه الإمام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله كتابه «تفسير المنار».
أما مقالاته فقد قرأت بعضها في كتاب العروة الوثقى الذي ألفه رفقة أستاذه الشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله وجمعا فيه مقالاتهما المشتركة التي نشراها في مجلة «العروة الوثقى» لما كانا لاجئين في فرنسا.
ثم وقفتُ بعد ذلك على أعماله الكاملة التي جمعها الأستاذ الدكتور محمد عمارة رحمه الله في خمسة مجلدات ضخمة، وهنا أذكر أنني عندما زرت جمهورية مصر العربية سنة 1999 وشهدت معرض القاهرة للكتاب، وقفت في جناح دار الشروق على هذه الأعمال، ولما رأى العارض اهتمامي بها ألح عليَّ أن أشتري هذه الأعمال الكاملة وخفض لي السعر إلى أدنى حد، إلا أني اعتذرت عن شرائها، ليس لغلاء ثمنها، ولكن لأني كنت قد اشتريت قبل ذلك كتبا كثيرة ولم يعد بإمكاني أن أزيد عليها، لصعوبة حملها أولا ولغلاء تكلفة الوزن الزائد في المطار، فتركتها آسفا عليها. وقد أتيح لي بعد ذلك أن أقف عليها وأن أقرأ الكثير مما جاء فيها من مقالات وأبحاث، وهي متنوعة وكثيرة، بين مقالات سياسية، ورسائل مختلفة، وكلمات موجزة في مناسبات متعددة، وكتابات اجتماعية، وفتاوى فقهية، ومقدمات لكتب، وكتابات في الإصلاح الفكري والتربوي، ومقالات في تفسير القرآن الكريم، وغير ذلك من أعمال.
ليس هذا فقط ما قرأته للإمام محمد عبده، هناك أيضا مذكراته التي جمعها وقدم لها وعلق عليها الأستاذ طاهر الطناحي رحمه الله، والتي تحدث فيها عن سيرته ومواقفه وعلاقاته إلى غاية دخوله السجن ثم نفيه إلى بيروت بعد مشاركته في الثورة العربية (1879-1882) وفشل هذه الثورة.
يُضاف إلى ذلك كله «تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده» الذي جمعه تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا ونشره في مجلدين كبيرين، حيث ضمن الجزء الأول منه كل ما يتعلق بسيرة شيخه وأعماله العلمية والإصلاحية، وأدرج ضمن الجزء الثاني الكثير من مقالاته ورسائله.
وللإمام محمد عبده مؤلفات أخرى هي عبارة عن شروح على كتب قديمة، منها «شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه»، و«حاشية على شرح الدواني للعقائد العضدية»، و«شرح مقالات بديع الزمان الهمذاني»، و«شرح دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني».
أما ما كُتِبَ عن الإمام محمد عبده رحمه الله، فهو كثير جدا، ومتنوع بين كتب ورسائل جامعية وبحوث علمية ومقالات فكرية، بعض هذه الأعمال التي كُتبت عنه مَدَحَ الإمام وجعله في طليعة المصلحين الكبار والمجددين الرواد، وبعضها كال له التهم ونسب إليه كل سوء، والقليل منها توسط فأبرز ما له وما عليه.. ولعل من أفضل ما كتب عنه: كتاب الأستاذ عباس محمود العقاد «عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده»، وكتاب الأستاذ أحمد الشايب «الشيخ محمد عبده»، وكتاب الدكتور عثمان أمين «رائد الفكري المصري الإمام محمد عبده»، وكتابا الدكتور محمد عمارة «المنهج الإصلاحي للإمام محمد عبده»، و«الإمام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين»، وغيرها.
إن قراءة آثار الإمام محمد عبده رحمه الله، من شأنها أن تعرف القارئ بمكانة هذا الرجل وحقيقة ما يُنسب إليه من آراء، وطبيعة المواقف التي وقفها في حياته، والآثار التي تركها بعد وفاته. إضافة إلى ما يستفيده منها من رصيد لغوي وعلمي وثقافي.