ماذا بقي من الصراع العربي الإسرائيلي؟ 1
أ. عبد القادر قلاتي/
عندما فاجأ الرئيس المصري أنور السادت العرب، بزيارة دولة الكيان الصهيوني، والتطبيع المباشر معه عام 1978، وقف العرب جميعا ضد هذا النهج السياسي الجديد الذي اتخذه السادات في الحياة السياسية العربية، واعتبروا موقفه ذاك خروجا عن الصف العربي وخيانة للأمة العربية وقضيتها المركزية، فقد كان العرب -أنظمة ومنظمات وشعوبا- يخوضون صراعا كبيرا ضد الكيان الصهيوني منذ تم زرعه في الجغرافيا العربية، فالحياة السياسية والثقافية كانت معبئة بمنطق الصراع والنّظر إلى الكياني الصهيوني كعدو مغتصب لأرض عربية (فلسطين)، يجب على الأمة بمجموعها مقاومته، فقد هزّ موقف النّظام المصري يومها كيان الأمة العربية بحيث لم يلتئم ليوم النّاس هذا.
بعده بسنوات انخرطت منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية فيما سمي بعملية السلام في الشرق الأوسط، أفضت هذه الخطوة إلى حالة من الانقسام العربي، جعلت من فكرة الصراع مع الكيان الصهيوني، وجهة نظر تتنازعها جملة من المفاهيم الجديدة في الصراع الدولي بين الأقطاب الكبرى، خصوصاً بعد انهيار ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي، الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفياتي، حيث كانت فلسفة الصراع العربي الصهيويني تقوم على حماية ودعم هذا المعسكر، المعادي للامبريالية الغربية، الذي تهاوى أمام قوة الرأسمالية الغربية الاستعمارية التي زرعت هذا الكيان في المنطقة العربية، وتحوّل الخطاب الفكري العربي من مقولات المقاومة والصراع، إلى مقولات السلام العادل الذي يحفظ الكرامة العربية ويسترد الحقوق المغتصبة، مقابل الاعتراف بهذا الكيان والتعايش معه في جغرافيا موحدة دينا ولغة وثقافة، لكن لم يدم هذا الخطاب طويلاً بعد حربي الخليج الأولى والثانية، حيث تسربت الخلافات إلى الأقطار العربية، الواحدة بعد الأخرى، ولم تعد القضية الفلسطينة محلّ اتفاق بين العرب، كما أن الفلسطينيين أنفسهم دخلوا في صراعات داخلية تقودها منظمات مختلفة فكرياً وأيدلوجيا، أوهنت قدسية القضية الفلسطينية في نفوس العرب والمسلمين، وشيئا فشيئا انكفأت الأنظمة السياسية العربية حول نفسها وانشغلت بقضاياها الداخلية، ولم تصبح قضية فلسطين قضية الأمة الأولى…
يتبع