الجـــــدال الفكـــــري وفــقــــه الأولـــويـــــــــــــات
د.وليد بوعديلة/
قد تتصارع الأفكار والمواقف، ضمن المجتمع الواحد أو بين مجتمعات مختلفة، لكن قبل البحث عن سيطرة مشروع فكري ما، يجب الانتباه لأولوية استمرارية المجتمع وبقاء الدولة وصيانة الأوطان، قبل التسويق لكل المشاريع والبرامج والتصورات.
بمعنى نحن بحاجة أكيدة للإطلاع على فقه الأولويات، وتجسيده في حياتنا، ليستفيد الفرد والمجتمع، ويعرف أبناء الوطن الواحد قيمة الحفاظ على الوحدة الوطنية والدفاع على التماسك المجتمعي والاتحاد حول المثل العليا الجامعة والضمير الهوياتي المشترك الموحد، قبل الدخول في جدل وسجال المواعيد الانتخابية والسياسية، وهي قد تتجاوز مساحات النقاش، لتكون، لا قدر الله، طريقا للصراع والعراك، لذا من الواجب تحرك العلماء والشرفاء، للتسويق لخطاب المحبة الوطنية ورفض خطاب الكراهية والتشتيت والخلاف العنيف.
إن هذه المسألة تهم المؤسسات والشركات، وتمس أيضا الجماعة الوطنية في الجغرافيا الثقافية والحضارية الواحدة، ولنقدم بعض النماذج من الميدان، حيث نجد العاملين في شركة أو مؤسسة اقتصادية أو إدارية، قد تختلف قناعاتهم ونظرهم للتطوير وتوفير المنتج والخدمة، فتتباين النظرة والاستراتيجية، لكن ليكن الاختلاف في حدود التمدن والتحضر، ولا يصل للعراك والصراع والتكتلات، فيمتد التحرك من البناء للهدم، ومن البحث عن حل المشاكل لفتح مشاكل جديدة؟؟
وبالنسبة للأوطان، نجد التنافس السياسي وجدل الفكر والرؤى المختلفة، وقد نشاهد العراك الانتخابي، والتصارع الحزبي،واذا توقف الأمر عند حدود حوار البدائل وجدل المشاريع،لكان هذا الأمر بسيطا، واضحا، مألوفا، عبر كل دول العالم ومجتمعاته، لكن إن حدث ارتفاع الشتائم والقذف والتشكيك في الوطنية، ونشر الاشاعات والأخبار الكاذبة، لكان في الحوار السياسي انحراف عن المواطنة والمدنية، وكان المساهمون في السجال جاهلين للأولويات، ولم يفهموا أن الأولوية للوحدة الوطنية قبل الفكرة الشخصية والقناعة الذاتية، والأولوية للوطن وليس للمذهب أو الحزب/ الطائفة، والأولوية للتماسك وبقاء كيان الدولة وليس لطرح التصورات والتمسك بها نفي الآخر المختلف مع هذه الأفكار؟؟ وقد سجل التاريخ نتائج حزينة/ مؤسفة لبعض الدول التي تصارع أبناؤها فحطموا الأوطان بحثا عن بعض ملامح سياسية وأيديولوجيا (سوريا، الصومال، ليبيا، اليمن، لبنان….).
في الحقيقة، لا تقتصر أهمية فقه الأولويات في النظر لمصائر الشعوب فقط، فعلى كل إنسان أن يتدبر هذا الفقه ويتعمقه، ليعرف كيف يتحرك في يومياته، نحو التركيز على الأمور المهمة ولا يتوقف عند الأمور التافهة السخيفة، لينظر للمعالي والعظائم، ويفتح مجال تحقيق النجاح واستغلال الوقت والسير في طريق التقدم والنهوض، بتقدير المواقف ومعرفة ترتيب الأولويات في الحياة.
أخيــــرا…
قد تضيع المجتمعات الكثير من الوقت والجهد، إذا لم تعرف أولوياتها، وقد يتصارع أبناء الأسرة «العائلة الواحدة» وتتشتت عواطفهم ومشاعرهم، كما اختلفت قناعاتهم ونظراتهم للقضايا، ويصدق الأمر على يوميات الأوطان؛ فيصيبها الهوان والذل ويحل بها الخراب، لأنها لم تدرك الأولويات، ولم تميز بين قيمة التمسك بالوحدة الوطنية وقوة الاتحاد، في مواجهة عواصف التخلف والتفرقة، وهنا نقرأ أصوات الحكمة، وهي تصرخ وتنادي بأعلى صوتها: الحذر الحذر من انتشار الجدل السياسي لدرجة التصارع والعنف، لأن الأولوية للوطن وصموده ولبقاء كيان الدول، قبل بقاء نزوات الأفراد وميولهم الايديولوجية والمذهبية الضيقة، فمن يعي ويدرك؟؟
اللهم احفظ جزائر الشهداء.