عـلـمـاء فـقـدنـاهـم

أد. مولـــود عــويمــــر/
فقدت الساحة الثقافية والجامعة الجزائرية خلال الأيام الماضية ثلاثة من العلماء العاملين، وهم: الأستاذ بالمدرسة العليا للصحافة الدكتور محمد تين، وعالم الآثار الدكتور صالح بن قربة، والمؤرخ الدكتور نصر الدين مصمودي.
الدكتور محمد تـيـن
توفي فجر يوم الجمعة 11 ديسمبر 2020 المثقف المعروف الدكتور محمد تين الأستاذ بالمدرسة العليا للصحافة ورئيس الجمعية الثقافية “الجاحظية” التي أسسها الأديب الراحل الطاهر وطار في عام 1989.
لقد عرفتُ الأستاذ تين بعد أن تولى رئاسة جمعية الجاحظية في عام 2011 وإشرافه على نشاطاتها الثقافية المختلفة. ولكن عرفته أكثر من خلال العمل الفكري المشترك لما أسسنا معا في 5 مارس 2013 لجنة مشتركة للنشاطات الثقافية التي تجمع 3 جمعيات: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين واتحاد الكُتاب الجزائريين وجمعية الجاحظية. كنت ممثلا لجمعية العلماء، وكان الأستاذ تين ممثلا للجاحظية، وأما الأستاذ جمال سعداوي فكان ممثلا لاتحاد الكُتاب الجزائريين. وأعلنا عن ذلك يوم السبت 13 أفريل 2013 في ندوة صحفية مشتركة.
ونظمنا معا 3 ندوات فكرية شهرية حول العلم والعلماء في المجتمعات العربية والإسلامية والتي شارك في فعالياتها أساتذة محاضرون من جامعة الجزائر 2، المدرسة العليا للأساتذة، المدرسة الوطنية للتقنيات المتعددة، جامعة البليدة، جامعة الشلف وجامعة باتنة، وفق البرنامج الآتي:
– “ماذا قدم العلماء المسلمون للحضارة الإنسانية”، (30 أفريل 2013).
– “واقع البحث العلمي في المجتمعات العربية والإسلامية” (28 ماي 2013).
– “مستقبل البحث العلمي والعلماء في العالم العربي والإسلامي”. (29 جوان 2013).
وختمنا هذا النشاط الفكري في بداية شهر جويلية بندوة فكرية عامة حول العلم والعلماء في المجتمعات المعاصرة، وتم بهذه المناسبة منح وسام التميّز الفكري لباحثيْن (2) جزائريين.
رحم الله الأستاذ محمد تين الذي كان صادقا في أقواله ومخلصا في أفعاله.
***
الدكتور صالح بن قربة
توفي عالم الآثار الدكتور صالح بن قربة في يوم 15 ديسمبر 2020. وهو يعد واحدا من العلماء الثلاثة المختصين في تاريخ الآثار الاسلامية المتخرجين على يد عميد علماء الآثار في الجزائر الدكتور رشيد بورويبة، وأقصد هنا الدكتور علي خلاصي الذي توفي في شهر أكتوبر 2020، والدكتور محمد الطيب عقاب.
تحصل صالح بن قربة على شهادة الدكتوراه في الآثار الإسلامية من جامعة الجزائر في عام 1984 حول موضوع “المسكوكات المغربية حتى سقوط دولة بني حماد”.
عمل الدكتور بن قربة أستاذا للحضارة والآثار الإسلامية في معهد الآثار، وأشرف على عدة رسائل الماجستير والدكتوراه في هذا المجال المعرفي.
وأما في مجال التأليف، فإنه نشر مجموعة من الكتب أذكر منها: التنظيمات العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (1985)، المئذنة المغربية الأندلسية في العصور الوسطى (1986)، تاريخ مدينتي المسيلة وقلعة بني حماد في العصر الإسلامي (2009)، عبد المؤمن بن علي مؤسس دولة الموحدين (1991)، حسان بن النعمان و دوره في نشر الإسلام ببلاد المغرب (2012)…. كما أشرف على إعداد كتاب جماعي حول “تاريخ الجزائر في العصر الوسيط من خلال المصادر”.
ونشر أيضا مجموعة من الدراسات والأبحاث في المجلات الجزائرية والعربية أذكر منها: “مقدمة لدراسة الملابس المغربية – الأندلسية – في العصر الإسلامي من خلال المصادر التاريخية والأثرية”، و”أنظمة ومنشآت توزيع المياه في الفترة القديمة القناة الرومانية…..”.
كما قدم العديد من المحاضرات في الجامعات والمراكز الثقافية والمتاحف. وقد جمع فيما بعد تلك الدراسات والمحاضرات في كتابيه: “أبحاث ودراسات في تاريخ وآثار المغرب الاسلامي وحضارته” (2011)، و”من قضايا التاريخ والآثار في الحضارة العربية الإسلامية” (2012).
رحم الله أستاذنا القدير وصديقنا العزيز الدكتور صالح، وأسكنه فسيح جنانه ووفّق طلابه في السير على خطاه والتعريف بأعماله وإحياء ذكره.
***
الدكتور نصر الدين مصمودي
في يوم 15 ديسمبر 2020 فقدت صديقا عزيزا طيبا أحببته لأخلاقه الفاضلة وأعماله النبيلة: إنه الدكتور نصر الدين مصمودي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة بسكرة.
عمل أستاذا بثانوية مكي مني للتاريخ والجغرافيا بمدينة بسكرة، ومفتشا في التاريخ والجغرافيا بولاية تبسة ثم عاد إلى مسقط رأسه بسكرة حيث عين مديرا للمركز الثقافي الإسلامي.
انتسب الأستاذ نصر الدين إلى جامعة الجزائر لمواصلة تحصيله العلمي في الدراسات العليا، فأعد بحثا حول “دور ومواقف العقيد محمد شعباني في الثورة وفي مطلع الإستقلال 1954-1964” ونال به شهادة الماجستير في التاريخ المعاصر في عام 2010، ثم أنجز موضوعا آخر حول “الولاية الثانية وعلاقتها بالولايات التاريخية والهيآت القيادية للثورة بين 1954 و1962” فنال به شهادة الدكتوراه في التاريخ المعاصر في عام 2017.
الدكتور نصر الدين مصمودي كان أيضا عضوا فعالا في الجمعية الخلدونية التي تأسست في عام 1997 من خيرة المثقفين في مدينة بسكرة، وهي من أنشط الجمعيات الثقافية في القطر الجزائري.
كلما نزلت إلى مدينة بسكرة العامرة للمشاركة في نشاطات هذه الجمعية إلا التقيت به واستمعت إلى كلامه الهادئ بلغة عربية سليمة جميلة، وتجولنا وصلنا في واحات ولاية بسكرة الساحرة مع الأحباب الآخرين فوزي مصمودي، عبد الملك عتيق، محمد قويدري، سليم كرام، عبد الله لالي، عبد القادر صيد، عبد القادر بومعزة، يعرب جرادي، الأخضر رحموني، خميسي فريح، وأيمن سدراتي…الخ.
غير أنه في المرة الأخيرة (ديسمبر 2018) لم يحضر إلى قاعة المحاضرات، ولم يشارك في أعمال الملتقى المنعقد في دار الثقافة أحمد رضا حوحو حول شخصية المناضل الكبير الشاذلي المكي.
ولما سألت عن الدكتور نصر الدين أخبرني الأحباب بتدهور صحته. وقد أبعده مرضه العضال عن نشاطاته الثقافية والعلمية، ويكاد لا يخرج من البيت إلا للضرورة، فقررنا زيارته لمعايدته والاطمئنان عليه مع مجموعة من الأساتذة أذكر منهم: خليفة بن قارة، محمد الأمين بلغيث، عبد الله مقلاتي، عمر بوضربة، الأخضر رحموني، محمد قويدري، بوبكر زروقي، يعرب جرادي، ورفيقه الدائم خميسي فريح.
استقبلنا الأستاذ نصر الدين في بيته العامر ببشاشته المعهودة، وأحسن إلينا وأكرمنا وكلمنا عن مرضه وما تحمله من مشاقًّ كثيرة في سبيل العلاج، وحدثنا أيضا عن آماله ومشاريعه المستقبلية.
ولما خرجنا عائدين إلى الفندق رافقنا عند باب البيت ثم نادى ابنه فقال هذا هو فلان …. ثم قال: أتابع كتاباتك ومنشوراتك فأقرأها كل يوم وأعدها من جرعات الشفاء ومصدر الأمل.
وكان هذا آخر عهد به.
رحم الله أخي وصديقي الصبور الدكتور نصر الدين مصمودي برحمته الواسعة، وجزاه على كل ما قدم من جهود علمية وتربوية خير ما يجزي به عباده العلماء الصالحين.