التطبيع تفريـــــط في المقدّسات وخيانـــــة للأمانات
محمّد المأمون القاسمي الحسني/
تعيش الأمّة العربية والإسلاميّة أوضاعا عصيبة، استغلّها العدوّ الصهيوني وحلفاؤه، فازداد عتوّا وفسادا. وفي ظلّ هذا الواقع البئيس، ظهر في الأمّة حكّام سقطوا في مستنقع الخيانة، حين ربطوا مصيرهم بالاستكبار العالمي، واستقووا به لحماية عروشهم، وتحالفوا معه ضدّ مصالح شعوبهم. وكان هذا شأن الّذين انخرطوا في مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني، سرًّا أو علانية. وقد كانوا من قبل يسرّون ولا يعلنون؛ ثمّ أصبح بعضهم اليوم يجاهرون بما كانوا يخفون. وهكذا سقطت الأقنعة، وكُشف المستور؛ ولم يعد أحد في الوطن العربي، ولا في فلسطين، يؤمن بهيكل يسمّى جامعة الدول العربية، ولا بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، ولا بهيئة مقاطعة “إسرائيل”. ولم يعد أحد يحفل أو يقيم وزنا للشعارات الزائفة، التي يردّدها حكّام يضلّلون شعوبهم، ويتاجرون بقضايا أمّتهم، ويفرّطون في حقوق أوطانهم.
لقد ساءنا إعلان النظام المغربي إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني؛ ولكنّه لم يفاجئنا. فنحن نعلم أنّ العلاقات بين النظامين قديمة، وأنّ التنسيق والتعاون بين الطرفين قائم، منذ عقود. ولعلّ في هذا الإعلان خيرا؛ فقد أسقط ما يسمّى “رئاسة أمير المؤمنين للجنة القدس”، الّتي ظلّ هذا النظام يضلّل بها الجماهير العربية والإسلامية، منذ عدّة سنين.
لقد صُدم المسلمون، في ربوع المعمورة كلّها، بما أقدم عليه ملك المغرب، من تفريط في حفظ الأمانة، الّتي تقتضي المنافحة عن الأقصى والقدس الشريف، والتصدّي لمشاريع الاحتلال، ومخطّطات التهويد.
إنّ أيّ مسعى للتطبيع مع سلطة الاحتلال لا يعدو أن يكون استسلاما للعدوّ الصهيوني، وخضوعا لإملاءات الاستدمار العالمي؛ ويعتبر، بلا ريب، تفريطا في القدس والأقصى وفي أرض فلسطين، وخيانة لشهداء الأمّة، الذين خاضوا معارك الجهاد في الأرض المباركة، منذ عهد صلاح الدين، إلى حرب رمضان (أكتوبر) سنة ثلاث وسبعين.
إنّ التطبيع مع سلطة الاحتلال، يعني الاعتراف بها، وإعطاءها الحقّ في أرض فلسطين، والتنكّر لأمانة المسجد الأقصى والقدس الشريف. إنّها تعني القبول بما يسمّى “صفقة القرن”؛ ومن ثمّ التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي طليعتها حقّ اللاجئين في العودة إلى ديارهم، في مدنهم وبلداتهم، وإقامة دولة فلسطين المستقلّة، بكامل سيادتها، وعاصمتها القدس الشريف.
إنّ ربط الصلات مع هذه السلطة الغاشمة، وإقامة علاقات طبيعية معها يعني التغاضي عن جرائمها النكراء، وتمكينها من استكمال مشروعها الاستيطانيّ، وضمّها ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية؛ ومن ثمّ إحكام سيطرتها وبسط هيمنتها العسكرية والأمنية والاقتصادية على المنطقة العربية.
وفي ضوء ما تقدّم؛ فإنّ الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، الّتي جعلت من بين أهدافها، العمل للتقريب والتكامل بين شعوب المغرب العربي الكبير، وتحقيق وحدته المنشودة:
• تستنكر بشدّة ما أقدم عليه النظام المغربي من تطبيع مع “الكيان الصهيوني”؛ وتعتبر هذا القرار الخطير خيانة للأقصى والقدس الشريف، وطعنة في ظهر الأمّة الإسلامية، والشعب الفلسطيني، وتفريطا في حقوقه المشروعة. وهو، في الوقت نفسه، يشكّل تهديدًا لأمن المنطقة المغاربية واستقرارها، وتآمرًا خطيرًا ضدّ شعوبها. فهو بذلك يفسح المجال للصهاينة، ويعطيهم موقع قدم على حدودها؛ ومن ثمّ يرهن أمن المنطقة كلّها، ويزجّ بشعوبها في صراعات ونزاعات واضطرابات، قد لا تُحمد عقباها. ويجيء ذلك كلّه في مقابل اعتراف رئيس أمريكا المنتهية ولايته بمغربية الصحراء.
• تُحيّي الشعب المغربي الشقيق الّذي برهن، عبر العقود، على مناصرته للقضية الفلسطينية؛ وترفض جماهيره “قرار التطبيع”، الّذي ألحق العار ببلدهم؛ وتدعوهم إلى الثبات على مبادئهم، والبقاء على عهدهم، والاستماتة من أجل إسقاط هذا المشروع، الّذي يلحق الضّرر بوطنهم وأمّتهم.
• تناشد رجال الزوايا والطرق الصوفية، والعلماء والدعاة، ورجال الإعلام، والقوى الحيّة في المغرب الشقيق، وفي البلدان المغاربية والمنطقة العربية، أن يقفوا، بقوّة وحزم، ضدّ المخطّطات الصهيونية؛ وتدعوهم إلى العمل لمقاومتها ومواجهتها بكلّ الوسائل الممكنة؛ وممارسة الضغوط على الحكومات، وحملها على اتّخاذ مواقف حاسمة ضدّ مشاريع التطبيع.
• تهيب بالشعب الجزائري، أفرادًا وهيئات ومؤسّسات وأحزابا، أن ينبذوا خلافاتهم، ويوحّدوا كلمتهم، ويقفوا بالمرصاد صفّا واحدا، في مواجهة التحدّيات، والتصدّي لكافّة الاحتمالات؛ وتعبئة طاقاتهم لدرء كلّ خطر قد يهدّد أمنهم واستقرارهم.
• تحيّي الشعب الفلسطينيّ الشقيق، المرابط في القدس الشريف، وفي غزة الصمود؛ وتُهيب به أن يوحّد صفّه، ويجمع كلمته؛ وأن يمضي مجاهدا بكلّ ما يستطيع، معتصما بالله، ثابتا على طريق الكفاح. وليتذكّر أنّ طريقه مملوء بالعقبات الكؤود، وأنّ المقاومة هي السبيل الأقوم لأخذ الحقّ، واسترجاع الوطن السّليب. والله معه ومن ورائه ناصر ومعين. نسأله تعالى أن يُنير بكتابه بصائرنا، ويصلح به حالنا ومآلنا ويهدينا به سبل السّلام. قال الله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الممتحنة/09.
والله يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل
والحمد لله ربّ العالمين.