وراء الأحداث

بين العرش المغربي والكيان الصهيوني حكاية حب قديم

أ. عبد الحميد عبدوس/

عقد يوم الخميس 10 ديسمبر2020 الرئيس الأمريكي المنتهية عهدته دونالد ترامب، وهو أول رئيس أمريكي أعلن بصفة رسمية اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بسيادة إسرائيل على كامل القدس كعاصمة موحدة وأبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، صفقة مع العاهل المغربي محمد السادس رئيس لجنة تحرير القدس التي تهدف نظريا إلى «حماية القدس من المخططات و المؤامرات الصهيونية و خطط تهويدها» وتضمنت الصفقة تطبيع العلاقات الإسرائيلية المغربية بمساعدة الولايات المتحدة، مقابل موافقة أمريكية على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهكذا حاول كبير حمقى البيت الأبيض دونالد ترامب أن ينسف بمجرد تغريدة على موقع تويتر عقودا من الالتزام الأمريكي بالشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء الغربية القائمة على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ،ذلك ما أكده مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون الذي طالب الرئيس القادم جوزيف بايدن في مقال نشرته مجلة (فورين بوليسي) بإلغاء قرار دونالد ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية لأن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية هو تجاهل لثلاثة عقود من دعم الولايات المتحدة لحق تقرير المصير من خلال استفتاء.
يبدو أن الملك المغربي محمد السادس قد نجح في افتكاك صفقة مقايضة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية مقابل التطبيع المغربي بإسرائيل بسبب استغلاله للجانب الاستعراضي والانتهازي في المقامر دونالد ترامب الباحث عن الشهرة وإرضاء إسرائيل، إذ لم يكن من الغريب أن تنضم المملكة المغربية إلى قائمة المطبعين العرب مع إسرائيل، بل كان من المنتظر أن تكون هي من يقود قافلة المطبعين بالنظر إلى تاريخ العلاقة بين العرش المغربي والكيان الصهيوني، وهو ما أشار إليه جون بولتون بأن تطبيع المغرب مع إسرائيل كان سيتم دون تورط الإدارة الأمريكية في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مذكرا بأن العلاقات “الدافئة ولكن غير الرسمية” بين الكيان الإسرائيلي والمغرب ليست بالأمر الجديد، فلطالما فكر المغرب في الاعتراف بإسرائيل، منذ فترة حكم الملك الحسن الثاني.
كان من اللافت للانتباه أن يؤكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال مقابلة مع صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية: «أن العلاقات بين إسرائيل والمغرب لا يمكن مقارنتها بالعلاقة التي تجمع إسرائيل بأي بلد عربي آخر». فقد شكلت سانحة اعتراف دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في صفقة جسدت مقولة «إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق»، فرصة للعرش المغربي ليقدم الصفقة على أنها نصر «تاريخي» للمغرب ويبرر به قرار الخروج من سياسة الخداع و التخفي التي كان يمارسها بخصوص القضية الفلسطينية، إلى المجاهرة بعلاقاته «الدافئة» مع إسرائيل التي كان يتستر عليها خوفا من رد فعل شعبي غاضب.
مع الاعلان الامريكي عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل بدأت اعترافات المسؤولين الصهاينة حول تاريخ حكاية الحب الإسرائيلي بحكام المغرب، تتسرب إلى العلن، فقد اعترف مؤخرا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود براك أنه التقى مع ملك المغرب الحالي محمد السادس قبل 42 عاماً في قصر أبيه الحسن الثاني، ونشر إيهود باراك صورة له تجمعه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، عندما كان يبلغ من العمر 16 سنة، وأعلن باراك أنه قدم له حينها هدية هي عبارة عن لعبة حاسوب إسرائيلية، ويبدو أن ملك المغرب لم ينس مشاعر الود لليهود، فبعد أن اعتلى محمد السادس عرش المغرب، أمر بتنقيح المناهج التربوية والتعليمية المغربية لإزالة أي محتوى غير ملائم لسياسات المغرب تجاه الثقافة اليهودية. لقد ورث محمد السادس حبه وولاءه لليهود من أبيه الحسن الثاني، كما ورث عن أبيه أمير المؤمنين وحامي الملة والدين ثقته في مستشاره السياسي اليهودي أندريه أزولاي، رغم الآية القرآنية الصريحة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة 51).
للتذكير فإن إعجاب وتعاطف الملك المغربي الراحل الحسن الثاني مع الكيان الصهيوني المحتل، قديمة وراسخة تعود إلى سنة 1956، حسب اعترافه للصحافي الفرنسي إريك لوران، فقد قال له: «لقد بدأت أعي هذا المشكل (الصراع العربي الإسرائيلي) في 1956. وكانت نقطة الضوء بالنسبة إلي، هي الحملة الفرنسية البريطانية على قناة السويس. والواقع أن الاتحاد السوفياتي كان يساند دخول إسرائيل إلى حظيرة الأمم المتحدة، رغم المعارضة القوية للعديد من البلدان، على رأسها بريطانيا. وحينما لاحظت بضع سنين بعد ذلك، تغيرا في موقف البريطانيين بمساندتهم لإسرائيل خلال حرب السويس، استخلصت أن الكل كان متفقا على أن تظل إسرائيل موجودة وأن لا يتم تدميرها أبدا. إلى جانب ذلك، ظل التعايش بين اليهود والعرب في المغرب، منذ قرون، أحد مقومات هذا البلد. لقد قمت بزيارة إلى لبنان. وخلال مأدبة عشاء، حضرها مثقفون لبنانيون، قلت لهم بحسرة إن الخلاصة أن العرب لن يتمكنوا أبدا من إيجاد حل أو تسوية للمشكل، لأن إسرائيل دولة لا يمكن أن تختفي. وبأنني لو كنت مكانهم لاعترفت بإسرائيل وأدمجتها في حظيرة الجامعة العربية، وهو التصريح الذي أثار جدلا كبيرا وتعالت الصيحات على إثره».
ولم تقتصر علاقة الحسن الثاني بالكيان الصهيوني على المشاعر الودية، ولكنه قدم خدمة حاسمة اعتبرت بمثابة «أكبر كنز استراتيجي» بالنسبة لإسرائيل، ففي المؤتمر الثالث للقمة العربية الذي انعقد في الرباط بالمغرب في 13سبتمبر 1965، تحت رعاية العاهل المغربيّ، حسن الثاني سمح هذا الأخير للموساد الإسرائيلي بالحصول على جميع المعلومات والوثائق والمستندات والخطابات التي أُلقيت في المؤتمر التي كشفت للمخابرات الإسرائيلية أنّ الجيوش العربيّة ما زالت بعيدة عن أنْ تكون جاهزةً ومُستعدّةً لخوض الحرب ضدّ إسرائيل. هذه المعلومات ساهمت في تحقيق النصر الاسرائيلي على الجيوش العربية في حرب 5 جوان 1967.
وبعد حرب أكتوبر 1973 أصبح الحسن الثاني عراب تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل حيث لعب دورا مهما في التقريب بين مصر وإسرائيل عن طريق تسهيل وتشجيع الاتصالات السرية بين الطرفين، فحينما بدأ الرئيس المصري أنور السادات استعداداته لمشوار التطبيع، لم يجد أفضل من صديقه ملك المغرب الحسن الثاني ليساعده في نقل أفكاره لإسرائيل، وقام بترتيب أهم لقاء سري جرى قبيل زيارة السادات للقدس سنة 1977، بين وزير الأمن الإسرائيلي موشيه ديان، ومستشار السّادات المقرّب حسن التهامي، حيث اجتمعا في المغرب وبرعايته، وبعدها تشجعت مصر على ركوب قطار التطبيع مع إسرائيل بصفة رسمية في سنة 1979.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com