يجوز للزوج أن يهب لزوجته ما يقدر عليه، كما يجوز له أن يهب لغيرها.
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
**الســــــــــــــــــــؤال**
قالت السائلة (ف.ي) من ولاية قسنطينة: يريد زوجي أن يهب لي بيتا يكتبه باسمي، وله أولاد من زوجة أخري مطلقة، يعني لي ربائب. وأخشى إن وصى لي بالبيت أكون قد ظلمت ربائبي؟ ولكنه في علاقة طيبة جدا مع أولاده وينفق عليهم، وهو يُلِحُّ على أن يكرمني بهبة بيت لي، فهل يجوز له ذلك؟ وهل يجوز التفضيل في الهبة حسب الحاجة؟
**الجــــــــــــــــــــواب**
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: ماهي الهبة؟ تطلق الهبة ويراد بها التبرع والتفضل على الغير سواء أكان بمال أم بغيره. فالهبة إذن: هي تمليك المال في الحياة بغير عوض، وتصح بالإيجاب والقبول والعطية. فالإيجاب أن يقول الواهب للموهوب له: وهبتك هذا الشيء، أو ملكتك أو أعطيتك، أو أي لفظ يؤدي هذا المعنى لغة أو عرفا، والقبول أن يقول الموهوب له: قبلت أو رضيت، أو يحوز الشيء الموهوب. قالت السائلة: (وأخشى إن وصى لي بالبيت أكون قد ظلمت ربائبي؟) يجب أن لا نخلط بين الهبة والوصية، فلما كان سؤال السائلة عن الهبة كان عليه أن تقول: أخشى إن وهب لي البيت قد لايكون عادلا مع أولاده مثلا في العدل في الهبة. أما إن كان يريد أن يوصي فلا يجوز لها، أما أن يهب لها فيجوز. والوصية غير الهبة. فهي أي الوصية:الأمر بالتصرف بعد الموت، والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت، أو هي اي الوصية تمليك لما بعد الموت، والوصية محدودة بما دون الثلث، ولغير الورثة، أما الهبة فهي غير محدودة وتصح للورثة ولغيرهم. إذ الهبة هي تمليك المال في الحياة بغير عوض. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: ويشترط في الهبة للأولاد العدل بينهم. ففي الحديث عن عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال:[أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟]، قال: لا، قال: [فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم]، قال: فرجع فرد عطيته. (البخاري:2587)
لهذا نقول للسائلة: إن كان زوجك عادلا لا يريد ظلم أولاده، وترك لهم مما رزقه الله ما يكفيهم، وله رزق بأن يهب لك ولهم، ويبقى لأولاده فيجوز لك وله. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: يجوز للمسلم أن يهب من ماله ما يشاء، أو أن يوصي، أو أن يوقف، ولكنه يستحب القصد في ذلك، عملا بالخبر. عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه، قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا» فقلت: بالشطر؟ فقال: «لا» ثم قال: «الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك] (البخاري، كتاب الجنائز: 1295)
رابعا: نتقدم بالشكر لهذه السائلة وأمثالها على ما يظهر من سؤالها من أنها تخاف الله تعالى، وهي حريصة على حقوق أولاد زوجها، وتشكر على عاطفتها ورحمتها بربائبها، فشكرا لها، ولأمثالها من النساء المؤمنات اللواتي يحرصن على معاملة أولاد الزوج كأولادهن. فشكرا ثم شكرا. وخاصة (وهذه نصيحة لغيرها) إذا كان الأولاد صغارا دون سن البلوغ، أو كانوا يتامى. وكما تدين تدان.﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ (النساء:9،10)
قالت السائلة: (وهل يجوز التفضيل في الهبة؟) الأصل العدل في الهبة إن كان بين الأولاد، كما لايجوز إنفاق المال لغيرهم وتركهم فقراء. ويجوز التفضيل في حالات خاصة وذلك للضرورة وليس لمجرد التفضيل للمحاباة. أي: يجوز التخصيص أو المنع بين الأولاد في حالات: إن خص بعضهم لسبب يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو حرمان بعض ولده لفسقه وفجوره، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه في الفساد. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.