المتنوّرون و إنكارهم للأحاديث النبوية
الشيخ نــور الدين رزيق /
عندما انتهيت من الخطبة وصلاة الجمعة جاءني شاب فقال لي: لماذا لا نكتفي بالقرآن الكريم ونترك الأحاديث النبوية التي فيها الاختلاف بين الصحة والضعف؟ (وهذا دليل على انتشار هذه الأفكار الهدامة في المجتمع).
قلت له: أجابك النّبي -صلى الله عليه وسلم – عندما قال فيما رواه المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجلٌ شبعانٌ على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموه،ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع…» صحيح أبي داود الرقم:(4604) والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن ماجة المقدمة (12) والذبائح (3193)، مسند احمد- مسند الشاميين(4/131)، سنن الدارمي- المقدمة (586).
حديث المقدام بن معد يكرب الكندي رغم ثبوته سندا أنكره كثير وقد جمع الأستاذ عبدالعزيز محمد حوالي ستين طريقا! مخرجة في الكتب التالية: سنن أبي داود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، مسند الإمام أحمد بن حنبل، سنن الدارمي، سنن الدارقطني، مسند ابن أبي شيبة، جزء أشيب وهو الحسن بن موسى الأشيب البغدادي شيخ الإمام أحمد بن حنبل. أيضا الحديث مروي في السنة للمروزي، الأموال لإبن زنجويه، شرح معاني الآثار للطحاوي، مشكل الآثار للطحاوي، المعجم الكبير للطبراني، مسند الشاميين للطبراني، السنن الكبرى للبيهقي، دلائل النبوة للبيهقي، جامع بيان العلم لابن عبد البر، الفقيه، المتفقه للخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية أيضا للخطيب البغدادي.
قال الإمام الخطابي في شرح الحديث: [يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم – مما ليس له ذكر في القرآن على ما ذهب إليه الخوارج والروافض من الفرق الضالة فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا، وفي الحديث دليلٌ على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – شيءٌ كان حجة بنفسه] معالم السنن( 4/276).
وقال الخطابى ايضا – فى الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب (القرآن). وأنه مهما ثبت عن رسول الله كان حجة بنفسه.
شبهة مثارة قديما وحديثا وهي عدم إيراد البخاري لهذا الحديث في صحيحه فيه رد على الحمقى الذين يتهمون البخاري بالمؤامرة وأنه أراد أن يصرف المسلمين عن القرآن الكريم ويصدهم عنه؟
قال البيهقي: هذا الحديث يحتمل وجهين أحدهما: أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو، والثاني أن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، وأوتي مثله من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن.
وقال بعض أهل العلم: أحاديثه -صلى الله عليه وسلم – وحي ثان غير وحي القرآن، ومعناها وحي وألفاظها من النبي -عليه الصلاة والسلام -، وقد يكون بعضها أحاديث قدسية من كلام الرب سبحانه وتعالى أوحاها الله إلى نبيه عليه الصلاة والسلام فتسمى أحاديث قدسية، وهي من كلام الله -عز وجل – وهي وحي ثان غير وحي القرآن.
والحديث فيه دلالة على صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم – لذلك وضعها الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النُّبوة؛ إذْ نبَّه فيه وأخبر -صلى الله عليه وسلم – عن أناس سيأتون من بعده يردون فيه السنَّة النَّبوية، مقتصرين على القرآن في زعمهم الكاسد، وفهمهم العاطل.
وفيها دليل صريحٌ على حجية السنة، وقد نُقل الإجماع على حجية السنة كثير من العلماء، منهم الإمام الشافعي (204هـ) رحمه الله إذْ قال: (ولا أعلم من الصَّحابة ولا التَّابعين أحدا أخبر عَن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – إِلَّا قبل خَبره وانتهى إِليه، وأثبت ذلك سنة (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة؛ للسيوطي: 34.).
وفيها دليل على أنَّ السنة وحيٌ من الله جلَّ وعلا، وأنَّه لا سبيل إلى فَهم القرآن إلاّ بها، فهي المفسرة والشارحة والمقيدة له، وهي تزيد عليه في الأحكام، إذًا لن يصل أحدٌ إلى الله إلا عن طريق سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.
المتنوّرون اليوم في البلاد العربية والاسلامية هم الذين يحملون هذا العداء لسّنة النبوية، وذلك بتَهَكمهم وبهُجومهم الشرس طعنا وتشكيكا في السنة النبوية سواء رغبة الشهرة أو سعيا إلى الأضواء على طريقة ذلك الإعرابى الذى تبول فى بئر زمزم حتى يذكره النّاس ولو بالسّب لكن لا يمكن إنكار أن بعض هؤلاء الذين نسبت إليهم اتهامات بالطعن فى ثوابت الإسلام وكتب التراث ومنها على وجه التحديد كتاب صحيح البخارى، هؤلاء لا خلاق لهم في الدين والعلم إلا التشكيك في السّنة وفي صاحبها.