فـــي الإصــــلاح والـمحــــاســبـــة والـمـــازوشــيــــة
عبد العزيز كحيل/
ننشد الإصلاح والتغيير نحو الأحسن، فننتقد ونستاء من الأقوال والتصرفات ونكثر من الأماني، ونطالب الهيئات والأشخاص بالمبادرة ونتضايق من تثاقل هؤلاء وأولئك، لكن كثيرا ما نتفادى نقطة البداية وهي توجيه أصبع الاتهام إلى النفس والبدء بالذات قبل محاسبة الغير، فيجدر بنا إذًا ان نوجه لأنفسنا أسئلة محرجة ضمن خطة علمية وعملية لانطلاقنا في الإصلاح والتغيير، لكن من غير أن نقع في جلد الذات.
أسئلة محرجة: هل تحافظ على الصلوات الخمس في وقتها؟ هل عندك ورد قرآني يومي؟ هل تلتزم بذكر الله دائما؟ هل أنت ملازم للدعاء والتضرع في خلواتك، تدعو لنفسك وأهلك وبلدك والمسلمين؟ هل يصلي أبناؤك؟ هل تراقبهم؟ كيف هي تسريحة شعرهم؟ هل تعرف أصدقاءهم؟ هل أنت متأكد أنهم ليسوا مع المخدرات والمهلوسات أم تزكيهم من غير أن تعرف عنهم شيئا؟ هل زوجتك محجبة؟ هل تربي بناتها على اللباس الشرعي والعفة؟ هل أنت متساهل مع الحجاب المتبرج والتبرج المحجب وتعدّه مسألة هيّنة؟ هل تتقن عملك الذي تأخذ عليه مرتبا أو مقابلا؟ هل تحرص على الحلال ولا تتساهل مع الحرام؟ هل تطالع؟ هل تقرأ أم أن وقتك موزع بين الجرائد والتلفزيون وفيسبوك؟ هل أنت على اتصال بأقاربك: الإخوة والأعمام والأخوال وأبنائهم؟ هل تزورهم وتحسن إليهم؟ من هم أصدقاؤك: أصحاب الدين والأخلاق أم تصاحب حتى المنحرفين عقديا وسلوكيا لأن «قلوبهم بيضاء»؟ لا تنس أن المرء مع من أحبّ… بالمناسبة ما حال قلبك أنت؟ أفيه إخلاص رحمة و ولين أم أنه مخلط قاس غليظ؟ هل تتذكر الآخرة والقبر والحساب والجنة والنار أم أنك مسلم «دنيوي» فقط؟ هل حدث أن سقطت دموعك خوفا من الله وندما على تقصيرك في حقه؟ هل تتألم لحال أمّتك وما تعانيه من الاستكبار العالمي والعلمانية المحلية والأنظمة المتسلطة؟ هل أنت من محبي الإصلاح والتغيير؟ إن كنت كذلك فاعلم أن هذه الأسئلة هي مفتاح كل إصلاح وتغيير….فإياك أخي العزيز أن ترفع الشعار وتعمل بعكسه كمن أكثروا التباكي على إغلاق المساجد فلما فُتحت لم يعمروها.
بين النقد الذاتي وجلد الذات: النقد الذاتي هو محاسبة النفس سواء بالنسبة للفرد أو الأمة، وهو شيء مطلوب لاكتشاف الأخطاء ونقاط الضعف وعلاجها وتصحيح المسيرة، لكن الملاحظ عند بعض الإسلاميين أنهم حين يكتبون أو يتكلمون لا يمارسون النقد الذاتي وإنما يبالغون في جلد الذات إلى حد المازوشية (ذلك المرض النفسي الخطير الذي يجعل صاحبه يتلذذ بتعذيب نفسه وإيلامها والانتقاص منها)، فهم لا يرون في أمة الاسلام أي إيجابية ولا يبصرون في العلماء والدعاة والمصلحين أي محاسن، نظرتهم سوداء دائما، يدعمون ذلك بتضخيم الأخطاء البسيطة وإغفال الأعذار… عندهم الغربيون واليهود وشذاذ الآفاق أفضل منا في كل شئ، نحن أفسد أمة، كل شيء فينا قبيح منحرف، لا أمل فينا إطلاقا… كلا وألف لا،هذا سلوك ينمّ عن مرض نفسي، في حين أننا ندعو إلى ممارسة النقد الذاتي بكل جرأة دون أن نغفل أن لدينا محاسن دينية وأخلاقية وحضارية واضحة تحتاج إلى التفعيل لا إلى الإنكار… فينا رجال خيّرون ونساء خيّرات، علماء فحول، دعاة مقتدرون، مصلحون لا يخلو منهم زمان، ولا تكمن الرجولة في إنكار هذا –أي الاصطفاف مع العلمانيين اللادينيين والمزايدة عليهم – ولكن في الإحاطة بالصورة كلها لا بنصف الكأس الفارغ وحده.
فينا كثير من العيوب؟ نعم، نذكرها لمعالجتها لا للتلذذ بتضخيمها وتسويقها كأنها صفتنا الوحيدة أو كانها شيء ملازم لشخصيتنا، وكأننا متمسكون بها إلى النهاية.. ليس فينا إيجابيات أبدا؟ على الأقل نحن مؤمنون، طاهرون، الكفر أبغض شيء إلينا، أمتنا ضعيفة لكنها موجودة تقاوم لتعود لوحدتها وقوتها، الأمم الأخرى تتقلب في النعيم المادي ونحن متخلفون؟ نعم لكن أعلى نسب الإجرام والانتحار وأنواع المفاسد موجودة هناك أكثر بكثير مما نعانيه نحن، وذلك بفضل مكانة الدين والأخلاق مهما ابتعدنا وتساهلنا ورقّت علاتنا بالدين والأخلاق.
إذًا نعم للنقد الذاتي، لا للمازوشية.