حوار

البروفيســــــور عبـــد الـمجيــــــد قــــدي للـبصــــائـــــر: الاندمـــــاج فــــي الاقتصـــاد العالـمي يتحقــــق بالــرقمنـــة.

  • الربح أساسي في الإسلام والمصارف الإسلامية هي مؤسسات اقتصادية.
  • نسبة الفقر في المجتمعات الإسلامية كبيرة وهذا غير مقبول في الإسلام .

 

تحدث البروفيسور والخبير الاقتصادي، عبد المجيد قدي، مدير مخبر العولمة والسياسات الاقتصادية، في حوار له مع جريدة البصائر الجزائرية عن: مكانة الاقتصاد في الإسلام مشيرا إلى الصيرفة الإسلامية وأسباب عدم الاهتمام الكافي بها في الدول العربية وفي الجزائر خاصة رغم الإرادة السياسية، كما أشار إلى أسباب الفقر الذي تعانيه المجتمعات العربية والإسلامية رغم ثراء منظومة التمويل في ديننا الحنيف كالزكاة والوقف وغيرها من أشكال التكافل الاجتماعي، وعن الهيئات العلمية في المصارف الإسلامية ومدى قدرتها على مواكبة الاستثمار المالي العالمي، كما تطرق الخبير الاقتصادي للحديث عن الاقتصاد الرقمي ودور المعرفة وتكنولوجيات المعلومات والاتصال للدخول في الاقتصاد العالمي، كما تحدث الدكتور عن آفاق الاقتصاد في ظل جائحة كورونا ليقدم في هذا الصدد آليات تساهم في التقليل من التداعيات السلبية للاقتصاد الوطني، وأشار أيضا إلى المجتمع المدني ومدى مساهمته في التنمية المحلية.

حاورته: فاطمة طاهي/

 

بداية دكتور حدثنا عن الصيرفة الإسلامية وعن منظومة الاقتصاد الإسلامي بشكل عام؟
– الإسلام دين حياة، ودين متكامل بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يهدي البشرية، إذ لا يوجد جانب من جوانب الحياة إلا وتطرق إليها الإسلام، فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعونا إلى العمل، والتي تربط بين العبادة والعمل من ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {فإذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، حتى في الحج وباعتباره عبادة من العبادات يقول الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين}.
إذن الإسلام لم يفرق بين العبادة والممارسة الاقتصادية، أيضا الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة أول عمل قام به هو بناء مسجد، والعمل الثاني هو إقامة السوق ليحرر المسلمين من هيمنة اليهود بعدما سيطروا على السوق، الجانب الآخر أن الفقه الإسلامي نجده مليئا بالأحكام المرتبطة بالمعاملات المالية وأشكال الشراكة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نتاجر في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة، بل أن جزءا من العبادات ذات طابع اقتصادي فمثلا الزكاة هي إخراج للمال من غني لفقير ولكن في النهاية لها آثار اقتصادية، وفي الحقيقة أن الإسلام لم يهمل الاقتصاد بل أقامه على مجموعة من القواعد، هذه القواعد أساسها هو تحريم الربا باعتبار أن الربا هو استغلال، أي حرّم الكثير من المظاهر التي فيها الاستغلال، حرم بيع النجس، الغرر، الإكراه في العقود…، والأساس الثاني هو العمل والسعي، كل هذه الأشياء من أجل أن لا يكون هناك ظلم، لأن الإسلام مبني على العدل، فالله سبحانه وتعالى لما حرم الربا قال: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}.
إذا إن المسألة الأساسية التي يحاربها الإسلام في الاقتصاد إنما هي الظلم، حتى المعضلة الاقتصادية لما ننظر إليها في الإسلام ننظرإليها من زاويتين، الأولى تتمثل في تقصير الإنسان في السعي الذي أمر به الله سبحانه وتعالى، وبالتالي الإنسان الذي لا يسعى هو مصدر من مصادر المشكلة الاقتصادية، أيضا الجانب الثاني للمعضلة الاقتصادية هو الظلم، ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، أو ظلم المجتمع للمجتمع الآخر، واليوم نرى هذا جليا في العلاقات الاقتصادية الدولية ظلم الدول والقوى الكبرى تجاه الدول الصغرى.
دكتور عندما نتحدث عن الصيرفة الإسلامية باعتبارها أيضا مشروعا منتجا وداعما للتنمية الشاملة، لماذا لم تجد بعد اهتماما كافيا في الجزائر أو حتى في البلدان العربية والإسلامية؟
-عندما نتكلم عن الاقتصاد الإسلامي فإن البعد المالي هو مجرد بعد من الأبعاد، حيث هناك البعد الإنتاجي المرتبط باستغلال الموارد التي أتاحها الله سبحانه وتعالى، حيث أن الله عزوجل لما خلقنا في الأرض طلب منا عمارتها والسعي فيها، أيضا جانب الإنتاج وجانب التوزيع وجانب التبادل المرتبط بالأسواق، والجانب المالي لا يقوم فقط على المصارف أو الصيرفة الإسلامية بل يقوم أيضا على ما يسمى بالأسواق المالية وهناك ما يسمى بالتمويل التطوعي الذي يقوم على الأوقاف..، إن المصارف الإسلامية أو المالية الإسلامية في عمومها كانت ضحية سنوات الاستعمار الذي حاول أن يفصل المجتمعات الإسلامية عن كل ما له صله بثقافتها، ولكن سرعان ما عاد إليها الوعي في أواخر الستينات، وبعض المحاولات في الخمسينيات، ونجد في الجزائر وفي سنة 1928 أن الشيخ أبا اليقظان دعا إلى إقامة مصرف إسلامي وحاول مع مجموعة من التجار من قسنطينة والجزائر أن يجسدوا هذه الفكرة على أرض الواقع، فتصدى لهم الاستعمار الفرنسي باعتبار أنه رأى في الفكرة خطرا عليه، يعني أن الجزائر كانت من الدول الرائدة في طرح فكرة المصرفية الإسلامية، ولكن عمليا في العالم الإسلامي وفي أواخر الستينات وبداية السبعينات بدأت تظهر فكرة المصارف الإسلامية وانتشرت في البلاد الإسلامية، صحيح اليوم أن الجزائر يمكن أن تكون متأخرة ولكن أيضا الجزائر قد شهدت في بداية التسعينات نشأة بنك البركة وهو مصرف إسلامي في النهاية، لذلك اليوم نقول أن الصيرفة الإسلامية في الجزائر كانت تُمارس دون أن يكون لها إطار قانوني، وفي بداية الألفية ظهر بنك السلام وهو مصرف إسلامي، لكن اليوم الشيء الجديد هو أن الصيرفة الإسلامية أصبح لها إطار قانوني حتى وان كان غير كاف لكنه على الأقل يعترف بخصوصيتها، كما كان هناك سابقا نوع من النفور من كلمة إسلامي؛ لكن اليوم كرس النظام المهيكل لهذا النشاط هذا المصطلح وهذا المبدأ ليصبح هذا النوع من الممارسة ممارسة مقننة، أيضا جانب آخر أن هذا التهميش للصيرفة الإسلامية لم يكن من قبل أبناء المجتمع المسلم في الجزائر أو في بلدان أخرى، وإنما لذهنية القائمين على إدارات الاقتصاد الذين لم يتصوروا أبدا أن في الإسلام اقتصادا، واعتقدوا أن الإسلام غير قادر على إدارة الحياة، وبالتالي رأوا بأن ما ورثوه من هياكل وأدوات ووسائل عن المستعمر القديم وعن الغرب هو الذي بإمكانه أن يسير الحياة، بالرغم أن ما ورثناه عن الاستعمار قد أقام التخلف ولم يستطع النهوض بنا، بل أبقانا في تبعية دائمة ومقيتة للغرب.
كذلك دكتور هناك حديث يقال أن الصيرفة الإسلامية هي نسخة أخرى للمعاملات البنكية التقليدية، وهناك من يقول أيضا أن فيه ضخما في الأسعار ولا يختلف عن المعاملات الأخرى الكلاسيكية؟
-أود أن أشير هنا إلى ثلاث نقاط ذات أهمية، النقطة الأولى: هو أن هذا الخلط بين الربا وبين غير الربا ليس شيئا حديثا، حتى القران الكريم أشار إلى الخلط عند العرب القدامى. قال الله سبحانه وتعالى:
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْع مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
يعني حتى العرب الأولى لم يفهموا بأن هناك فرقا بين الربا وبين البيع، وبالتالي البيع إنما هو مبادلة سلعة بنقد، في حين أن الربا هو التعامل في النقود معاملة نقد بنقد، والفرق جوهري باعتبار أن الوظيفة الأساسية للنقود إنما هي وسيلة للتبادل، وفي الحقيقة الذين يقولون هذا الكلام يجهلون طبيعة الربا، لأن عملية البيع فيها المخاطرة في حين أن عملية الربا أو الإقراض بفائدة ليس فيها أي مخاطرة هذا الجانب الأول، أما الجانب الثاني أن الذين يُقبلون مع التعامل الحلال لا يقدمون عليه باعتبار أنه أرخص أو أغلى، إنما يقبلون عليه إرضاء لله سبحانه وتعالى وانسجاما مع قناعاتهم، أنا لا أشتري سلعة لأنها منخفضة السعر بل لأنني ببساطة أدرك أنها تشبع حاجاتي، إذن الذين يقبلون على المعاملات المالية الإسلامية ليست لأنها أقل تكلفة أو أكثر تكلفة حتى وان كنا نتمنى أن تكون المعاملات المالية في حدود قدرة البسطاء، ولكن الأساس هو إرضاء الله سبحانه وتعالى، والجانب الآخر والمهم أن الكثير من الناس يعتقد بأن البنوك الإسلامية أو المؤسسات الإسلامية اليوم في عمومها هي مؤسسات خيرية، لا بل هي مؤسسات اقتصادية تعمل من منطلق الحصول على الربح، والربح شيء أساسي في الإسلام، وبالتالي هي كأي مؤسسة مالية ولكنها تقدم التمويلات وفق السياق الشرعي مما يضمن السلامة الشرعية وبما يضمن العائد الذي يُمكّن لهذه المؤسسة الاستمرار في عملها ويمكُنها كذلك من تغطية تكاليف خدماتها، وبالتالي فإن الربح ضروري.
وماذا دكتور عن دور الهيئات العلمية في المصارف الإسلامية وهل هي قادرة على مواكبة الاستثمار المالي العالمي؟
-إن البنوك التقليدية لما ظهرت، تطورت بحكم المشكلات التي واجهتها في الواقع، واليوم نجد حتى التقنيات المالية التقليدية تطورت بفعل الإشكالات والتعقيدات الحياتية، نفس الشيء اليوم بالنسبة للصيرفة المالية تتطور بفعل نتاج مواجهتها للواقع الحياتي، كما أن دور المفكرين هو تركيب منتجات مالية وفق القواعد الشرعية الإسلامية واستبعاد عنصر الربا منها، كما أن مهمة العلماء الشرعيين هي فحص هذه المعاملات وهذه المنتجات الجديدة، من أجل إبراز الحكم الشرعي فيها، الحقيقة أنه حتى بعض المعاملات التي تتم على مستوى الهيئات المالية التقليدية يمكن أن نعيد تكييفها بما لا يتعارض مع منطق الشريعة الإسلامية، بل أن البعض من هذه المعاملات الموجودة في البنوك التقليدية منها ما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبالتالي يجب أن لا نعتقد بأن كل ما أنتجه الغير هو مرفوض لا، «فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها هو أحق بها» مثلما هناك عقول تفكر في الغرب هناك عقول تفكر في العالم الإسلامي، بل ربما جزء من التطور الغربي بني على أساس الأفكار التي طرحها المسلمون، وأبناء المسلمين اليوم الذين يعملون في المؤسسة المالية.
أيضا دكتور ومن أجل تكامل يشمل فقه الإسلام والقانون والاقتصاد، ما هي رؤيتكم أو كيف يتم التوفيق بين هذا الثلاثي؟
-الحقيقة اليوم أن الأحكام الفقهية تحتاج إلى إعادة صياغتها في شكل نصوص قانونية، لأنه بذلك تأخذ الطابع الإلزامي وتعطى لها الجوانب الإجرائية ويمكن مقارنتها بما هو سائد في دول المعمورة، ويسهل تقديمه للغير في قالب مألوف لديهم، كما يعطي للأحكام الفقهية صيغة عصرية في التعبير عن الواقع، لأن القانون الآن هو الذي ينظم حياة الإنسان، والحقيقة أن القانون في كل المجتمعات لابد أن يكون له مصدر وأسس، وبالتالي هذه الأحكام الفقهية لابد أن تترجم في شكل نصوص قانونية، فالقانون إنما ينظم حياة الناس الاجتماعية والسياسية والثقافية ومن بين جوانب الحياة، الحياة الاقتصادية، ومن ثم هناك تلازم بين الاقتصاد وبين القانون، فهناك قواعد لتأسيس الشركات. ولما نتكلم عن الاستثمار هناك شروط، وهذه الشروط يحددها القانون، وبالتالي القانون هو الذي يضبط المعاملات ويؤطرها ويضعها في قالب، كما يسمح القانون بالموازنة بين أطراف المعادلة الاقتصادية ويضع الضوابط التي تمكن المعاملات الاقتصادية من عدم الخروج عن دائرة الصواب.
دكتور هل هناك تجارب لمصارف إسلامية خارج الجزائر أخطأت في التطبيق؟
-في الواقع أي ممارسة بشرية هي قابلة للصواب وللخطأ، ولكن الخطأ يصلح ويعدل، وبالتالي إذا كانت هناك اليوم مؤسسة من المؤسسات وفرد من الأفراد أخطأ في التطبيق الخطأ يعود عليه لأنه هو الذي لم يحسن التعامل، كما أن هذه الأخطاء هي أخطاء تقديرية مرتبطة بالاجتهاد البشري، فاليوم ما بين التسهيل في الفقه الإسلامي وما بين التشدد هناك مجال واسع، في الواقع هناك الكثير من القضايا المطروحة ليست بجديدة بين الفقهاء هناك المتشدد والمتساهل وهناك من يرخص باستخدام الحيل وهناك من لا يقول بذلك، إذن هي قضايا تدخل في إطار الاجتهاد الذي يجب أن نعذر بعضنا فيه، كما أشير إلى أن المجتهدين اليوم مضطرون إلى التعامل مع الكثير من الآراء الفقهية القديمة والحديثة بل أحيانا هذا التباين وهذا الاختلاف في الاجتهاد هو الذي يؤدي بالبنوك الإسلاميةإلى القدرة على مواجهة الحياة، الكثير من الأحكام الفقهية التي لم تجد تطبيقا لها في الماضي لكن أمام تعقيدات الحياة تم اللجوء إليها من أجل حل بعض الإشكالات الحياتية المعاصرة وعرفت تطبيقا، وبالتالي هذه الأخطاء يجب أن لا تمس ببنيان أو بمسار النظام المالي الإسلامي، وإنما هي عثرات في الطريق لا تعمم، الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تباينت آراؤهم واختلفوا في الاجتهاد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليهم.
كذلك دكتور على الرغم من ثراء منظومة التمويل في ديننا الحنيف كالزكاة والأوقاف وغيرها من أشكال التكافل الاجتماعي إلا أن مجتمعاتنا الإسلامية تعاني الفقر. ما السبب؟
-اليوم هذه الآليات لم تفعل بشكل مؤسساتي فعندما نتحدث مثلا عن الزكاة في الجزائر فهي لا تزال عبارة عن إخراج فردي ولا تعطى لمؤسسة من المؤسسات التي تقوم بالتوزيع، وبالتالي غياب الإطار المؤسساتي للمعاملات المالية الإسلامية، وحتى إن وجد هذا الإطار من المؤسسات فإنها لم تنضج بالشكل الكافي، ومسألة مهمة يجب أن ندركها هو أن الفقر ظاهرة مجتمعية، الشيء الذي يمكن أن نقوم به هو أن نقلل من مستوى الفقر، فالفقر هو شيء نسبي فالفقير في الولايات المتحدة هو الغني في الجزائر، وبالتالي فإن الفقر يعبر عن التفاوت المعيشي بين الأفراد ولهذا السبب وجدنا في القرآن الكريم أن الكفارات والزكاة وغيرها تُعطى للمحتاجين والفقراء ليؤكد أن الفقر هو شيء ثابت في حياة المجتمعات، حتى وان كان الفقر نسبيا يتغير من مجتمع إلى مجتمع ومن فترة زمنية إلى أخرى، وبالتالي لا نتصور أن نقضي على الفقر بوجود هذه المؤسسات، فلو تصورنا ذلك لن يكون هناك شخص ندفع له كفارات أو زكوات، إلا أن المشكل الكبير هو أن نسبة الفقر في المجتمعات الإسلامية مرتفعة كثيرا وهذا غير مقبول في الإسلام، وبالتالي هذه الآليات لم تجسد في شكل مؤسسات فاعلة، نحن نحتاج إلى مؤسسات فاعلة تقوم على الزكاة والأوقاف وعلى مختلف أشكال التكافل الاجتماعي في الإسلام. ويحدثنا التاريخ انه لما كانت لها مؤسسات فاعلة كان الساعي يتعب في البحث عمن يقدم له الزكاة ولا يجده.
دكتور اليوم في ظل جائحة كورونا وفي مرحلة ما بعد كورونا هل ترى أن العالم سيكون أكثر إدراكا لأهمية الاقتصاد الإسلامي؟
-ليس فقط من خلال أزمة كورونا، فمنذ الأزمة المالية 2008، هناك إدراك عالمي بأن القواعد التي وضعها الإسلام فيها الكثير من العدالة والإنسانية والتوازن بين القطاع الحقيقي والقطاع المالي؛ وهي جوانب لا تراعيها النظم الحديثة، اليوم حتى المنظمات الدولية تستلهم من الآليات التي وضعها الإسلام في إطار التمويل والتكافل، أكيد اليوم ما بعد جائحة كورونا لن يكون كما قبله، فهناك الحاجةلتضامن أكبر ومراجعة لأشكال التمويلات لأن ما أفرزته كورونا من شح في الموارد، إضافة إلى الأفراد الذين لحقتهم آثار الجائحة، يجعل الحاجة قائمة إلى المزيد من صور التضامن الاجتماعي والتمويلات الملائمة، والشيء الجيد في الإسلام هو أن التضامن أو التكافل الاجتماعي لم يتوقف عند آلية واحدة كالصدقات والكفارات، الأوقاف والزكاة، ومن هنا نجد أن روافد التكافل الاجتماعي غنية ومتعددة، إن وقع قصور في أداء آلية من الآليات فإن الآلية الأخرى تبقى قائمة وبإمكانها أن تسد الخلل الذي حدث في الآلية الأولى.
وماذا عن الاقتصاد الرقمي دكتور، وهل جائحة كورونا هي فرصة لتجسيد الرقمنة خاصة وأن الجزائر ومختلف الدول العربية ما تزال متأخرة في هذا الجانب؟
-إن العالم الذي نعيشه كله قائم على الرقمنة، وبالتالي إذا أردنا البقاء والانخراط في الاقتصاد العالمي لابد أن نتحكم في الرقمنة، ولابد أن نُدخل الرقمنة في النشاط الاقتصادي، اليوم الاقتصاد المعرفي يقوم على الرقمنة وبتكنولوجيات المعلومات والاتصال، فالحديث عن الرقمنة هو حديث عن الاندماج في الاقتصاد العالمي، كما أن الرقمنة تقدم لنا معطيات أخرى كالشفافية والقضاء على البيروقراطية، التكيف مع التحول في المعاملات الدولية، إضافة إلى السرعة في الإنتاج والتعامل مع الأحداث، ومن ثمة أن الرقمنة مرتبطة بالتحول القائم بالاقتصاد العالمي المبني على المعرفة وعلى تكنولوجيات المعلومات والاتصال.
حسب تصوراتكم ما هي الآليات التي من خلالها يمكن التقليل من التداعيات السلبية للاقتصاد الوطني؟
mm في الحقيقة أول خلل موجود في الاقتصاد الوطني أننا لم ندرك بعد قيمة العمل، أول شيء هو لابد من إعادة الاعتبار لقيمة العمل، والعامل الذي من المفروض أن يلتحق بعمله على الساعة الثامنة يلتحق على الساعة العاشرة، والعامل الذي من المفروض أن يغادر على الساعة الرابعة يغادر على الساعة الثانية، الإشكال الثاني يتمثل في البيروقراطية وهي أحد المشاكل الأساسية في الجزائر والتي لابد من القضاء عليها، الجانب الثالث أنه لابد من الانسجام مع الممارسات السليمة على مستوى العالم، فهناك مجموعة من الممارسات التي انتهجتها الدول التي تقدمت اقتصاديا ككوريا وسنغافورة والصين مما جعلها تتقدم، وبالتالي لابد علينا أن ننتهج هذه الممارسات، الجانب الرابع وهو أنه لابد من إعادة الاعتبار لوظيفة البحث والتطوير، إذ لايمكن للمجتمع أن يتقدم ما لم يُمكّن من البحث، المجتمعات اليوم التي تقدمت هي التي تمكنت من البحث، وبالتالي لابد أن يكون الإنفاق على البحث، ولا يقتصر هذا الإنفاق فقط على الحكومة حتى المؤسسات الخاصة لابد أن تنفق على البحث بل حتى المجتمع المدني عليه أن ينفق على البحث، ففعل الخير لا يتوقف فقط على إعطاء المال للفقير بل يكمن الخير أيضا في تمويل مسار طالب فقير من أجل أن يتقدم في مساره الدراسي وفي بناء مخابر ومراكز للبحث، أعتقد أن هذه الجوانب هي ركائز أساسية للتغيير المجتمعي حتى ننطلق على أسس سليمة تمكننا من الوصول إلى ما وصل إليه الآخرون.
أيضا دكتور حدثنا عن دور المجتمع المدني ومدى مساهمته في التنمية المحلية؟
من قبل كنا نتحدث عن القطاع الاقتصادي والحكومة، واليوم أصبحنا نتحدث عن القطاع الاقتصادي الخاص وعن الحكومة، وفي ذات الوقت نتحدث عن المجتمع المدني الذي أصبح فاعلا اقتصاديا بإمكانه أن يقوم بعدة أدوار، فالقطاع الاقتصادي هو قطاع ربحي والدولة من مهامها أن تتوسع بشكل كبير لتلمس مختلف الحاجيات، ولكن المجتمع المدني إنما يقوم على تقديم خدمات مجانية أو شبه مجانية، كما يقوم على عمل جوهري إذ يتفاعل مع أفراد المجتمع، فالدولة لا يمكنها أن تصل إلى كل أفراد المجتمع، كما أن عمل المجتمع المدني ينطلق من حاجات المجتمع، ولهذا اليوم حتى الحكومات في العالم لا تتدخل بشكل مباشر إنما تتدخل لسد حاجات مجتمعية عن طريق المجتمع المدني هذا المعطى الأول، المعطى الثاني لما نتكلم عن الحوكمة نتحدث عن المشاركة، وبالتالي لا يمكن أن نتكلم عن الحوكمة من دون مشاركة أحد الشركاء بالنسبة للحكومات، كما أن الشفافية والمصداقية تتحقق من خلال المجتمع المدني فمثلا في توزيع الصدقات والزكاة المجتمع المدني هو الذي يدرك واقع الحياة في مختلف الأحياء، في نفس الوقت هو المراقب للأداء الحكومي ووسيلة لإضفاء الشفافية على تصرفات الحكومة وأيضا وسيلة من الوسائل التي تراقب العمل الحكومي حتى يقلل من حجم الانحراف، فهو بمثابة أداة إنذار لأي انحراف مقصود أو غير مقصود في الأداء الحكومي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com