إلى كم «سُميط» نحتــاج ؟(*)
يكتبه: حسن خليفة /
الدعوة إلى الله تعالى ليست، فقط مجرد كلام، وقوة خطاب، وجميل أداء، وقوة تأثير بلاغي.. وإن يكن كل ذلك مفيدا ونافعا وله أجره، إن صدقت النوايا وتحقق الإخلاص لله تبارك وتعالى.
إنما الدعوة أيضا فعل وعمل وجهد ميداني، وأعمال صالحة، وإنجاز، وتكوين، وتدريس، وحفر آبار لسقيا خير للناس، وكفالة أيتام وأرامل، و…الخ ..في هذا السياق يقفز إلى الذهن اسم رجل يمكن أن نعدّه ـ دون مبالغة ـ طرازا فريدا من الدعاة، وأنموذجا متفردا من الرجال الربّانيين الذين حملوا مشعل الصلاح والإصلاح والدعوة بـ «الأفعال» مترسّخة في الواقع ماثلة أمام الأعين، والمعنيُّ هو الداعية الطبيب الدكتور عبد الرحمن السميط رحمة الله عليه الذي قدّم للمسلمين (عموما) وأصحاب الدعوات خصوصا، تجربة دعوية تنموية رائدة وفريدة، وقد لُقّب ـ رحمه الله ـ بـ «خادم الدعوة في إفريقيا»؛ حيث ابتكر طريقة في العمل الدعوي استهدفت تنمية المجتمعات الإفريقية الفقيرة، وإيجاد فرص عمل حقيقية، وإقامة مشروعات صغيرة للفقراء والمساكين، فتحت ـ و ماتزال تفتح ـ لهم أبوابا من الرزق، والعمل الذي يتناسب مع إمكاناتهم، فضلا عن تطوير وتحسين البيئة التي يعيشون فيها.
وإنما مبدأ الأمر هو «الفهم» والاستيعاب لحركة الإسلام وتبيّن أهدافه السامية، في خدمة الإنسان، وقد التقط السميط هذا الأمر من خلال فهمه لرؤية الإسلام في القضاء على الفقر، وهو أحد المعضلات الإنسانية الكبرى؛ خاصة في عالمنا المتوحش الذي يطبعه الصراع الضاري بين الأغنياء الأقوياء والفقراء الضعفاء.
التقط السميط (رحمة الله عليه) قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه:
«ما أكلَ أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» (البخاري).
لقد تشرّب السميط من خلال هذه المعاني روح الإسلام وخطابه الرحيم بدلالاته التغييرية العميقة التي تتقصّد حلول المشكلات من جذورها، بدل البحث عن «مسكّنات» وحلول ترقيعية وقتية. لعله كان يتمثل منهج عثمان ابن عفان رضي الله عنه في العمل الخيري؛ حيث لم يوزّع الأموال على الفقراء والمساكين ليأكلوها ثم يعودوا لطلب المزيد من الصدقات، بل أمر بإعداد قوائم بأسمائهم، ومنحهم قروضا حسنة طويلة الأجل(دون فائدة) لإنشاء مشروعات تتناسب مع ظروف وإمكانات كل واحد منهم، فحقّق بذلك من الفضل خيرَه وأجمله. وإن في تا ريخنا الكثير من الأمثولات والنماذج في مجال النهضة والإدارة والتسيير والعمل الصالح وأعمال الخير، ولكننا ـ للأسف ـ لا نقرأ ولا نستوعب ولا نستفيد من النماذج الجليلة في كثير من شؤون حياتنا، فقط نلوك الأقوال عن خير القرون وأفضل الأجيال …دون أن نتأسى بهم .
نعود إلى السميط رحمه الله حيث بدأ العمل الخيري قبل أربعين عاما (أوائل الثمانينيات) من خلال لجنة «مسلمي إفريقيا»، ثم أصبحت أواخر التسعينيات «جمعية العون المباشر» وهي تقدم مساعدات عينية، وتبني المساجد، والمدارس، وتحفر الآبار، وتدرّس، وترسل البعثات التدريسية، وتكفل الأيتام، وتفعل الكثير من الخيرات، وما فتئت تتوسع وتتقدم حتى وصلت إلى عدد من البلدان الإفريقية، وكانت الخط الأمامي لترسيخ الهوية الإسلامية والمنافحة عنها أمام زحوف التنصير والتهويد والمسخ بكل أنواعه.
دعنا نلقي نظرة عجلى على بعض ما قدمه السميط وهذه الأرقام قديمة بعض الشيء 2015:
ـ بناء أكثر 5800 مسجد، رعاية أكثر 20 ألف يتيم، حفر نحو 10 آلاف بئر ارتوازية، إنشاء نحو 1000 مدرسة، وأربع جامعات، و210 مركزا إسلاميا، وبناء نحو 130 مستشفى ومستوصفا، وفتح نحو أكثر 600 مدرسة قرآنية.
فضلا عن ذلك كان رحمه الله من خلال جمعية العون المباشر يدفع رسوم 95 ألف طالب مسلم للدراسة، وطبع أكثر من 6 ملايين نسخة من المصحف الشريف لتوزيعها على المسلمين والمسلمات الجدد، إعداد وتكوين وتدريب أكثر من 4 آلاف داعية ومعلم وإمام، وتكفي قراءة بعض كتب السميط رحمه الله لمعرفة الكثير عن هذه الجهود المميزة مثل كتاب «لبيك إفريقيا»، «دمعة على إفريقيا»، و«رسالة إلى ولدي» فضلا عن محاضرات ومداخلات عن تجربته في العمل الخيري يمكن الاستفادة منها على نطاق واسع .
تُرى ما الذي نرمي إليه من خلال هذه السطور؟
أمر واحد فقط نرمي إليه ونريده أن يتحقق في واقعنا البئيس: أن نعيد النظر في أساليب العمل الدعوي والإصلاحي. وأن نجتهد باستفراغ كل الوسع لإيجاد عشرات من «السميط» إيجادهم وإعدادهم وتهيئتهم بتوجيه الاهتمام إلى هذا الحقل الدعوي بصدق وإخلاص.
لن نعدم وجود رجال كالسميط هنا أوهناك، وهم مفاتيح الخير والفضل، وإنما وجبَ علينا أن نوجه الجهود للوصول إليهم ومقاربتهم مقاربات إيمانية تزرع اليقين في قلوبهم، وتيسّر سبيل زرع الخير في الحياة منهم، وتدفعهم نحو هذا الخير «الكبير» وهو النهوض بالمجتمع.
كم أرجو أن يكون لدينا جهاز دعوي متخصص في «المشاريع الكبيرة» بدعاة مفاتيح ورجال أعمال مفاتيح، على قدر عال من الإخلاص والصدق واحترام التخصّص ..
حينئذ سينفتح قوس كبير للأمل من أجل نهضة مجتمعية وضيئة وسيعة رحيبة متينة الأركان قويمة البنيان تسعُ كل ميادين الحياة وترفع الناس إلى مقام «التكريم» حقيقة.
(*) أنظر «المجتمع»(عدد2072_ «داعية إسلامي من طراز فريد» ص 51)