في عيد ميلاده الخمسين!

أ. عيسى عمراني/
محمد الطيب العلوي (1928م – 2005 م): مجاهد ومرب، ولد بدائرة «زيغود يوسف» من ولاية قسنطينة، درس بمدرسة التربية والتعليم ودرّس بها، بعد أن أكمل تحصيله بجامع الزيتونة بتونس. اشتغل معلما ومديرا للمدرسة، فمفتشا عاما بوزارة التربية الوطنية، كما شارك في الثورة التحريرية. أقام فترة مع والده بغرفة بالجامع الأخضر، سمحت له بالتقاط أحداث ومواقف للإمام عن كثب .
من آثاره: التربية والإدارة، مظاهر المقاومة الجزائرية، وإدارة مجلة «التربية»…
كان الإمام «ابن باديس» ساهرا رفقة ثلة من أساتذة مدرسة التربية والتعليم القسنطينية التي اتخذ منها مكتبا لتحرير مقالاته ومختلف كتاباته، وغرفة لمبيته، وإقامة لاستقبال ضيوفه، من داخل الوطن وخارجه، فكان الجمع يستمعون إلى نشرة الأخبار بالإذاعة، وشدّهم نبأ احتفالٍ عظيم أقامته ألمانيا على شرف زعيمها «هتلر» بمناسبة بلوغه السن الخمسين، فأخبرهم الإمام بأنه وهذه الشخصية من مواليد السنة نفسها (1889م، وتدعى سنة ميلاد العباقرة) فتبادرت إلى الأذهان فكرة إقامة حفل مدرسي مرتجل له في سرّية، تخوّفا من الإدارة الاستعمارية، بسبب قيام الحرب العالمية الثانية وقتها.
وفي اليوم الموالي هيأ المعلمون تلاميذهم، وطلبوا من زعيم الجزائر أن يخرج إليهم من مكتبه، لإلقاء كلمة على مسامعهم، ولمّا استفسر عن المناسبة وأخبر عنها امتثل لطلبهم، وما كان ليسمح بذلك لو علم به مسبقا، فقد عاش مؤْثرًا غير مستأثِر.
صدحت حناجر التلاميذ بالأناشيد الوطنية احتفاء ببلوغ الإمام الخمسين، فتأثر أيما تأثر، وألقى كلمة معبّرة، ممّا جاء فيها: «الآن أطمئن على الجزائر مادمتم تحبونها وتجدّون في دروسكم …أنتم الأمل والرجاء … وأنا فخور بكم لما حقّقتموه من تقدم …بارك الله في اجتهادكم وحياتكم، وجعلكم ذخرا للإسلام والوطن».
والتحق بجوار ربّه بعد أشهر معدودات، مطمئنًّا على الجزائر، فكان عمرًا قصيرًا غير مديد، ولكنه – بفضل من الله- عريض.