كتـــــاب «الأرض الـمــــوعـــــودة» هل ستكشـــــف مـــذكـــرات أوبــامــا بعــض أســرار حكـــام العـــــرب؟
أ. محمد مصطفى حابس:
جنيف / سويسرا/
صدر مؤخراً كتاب «الأرض الموعودة»، وهو الجزء الأول من مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
ومن المتوقع أن تصدر هذه المذكرات بأكثر من 20 لغة حول العالم بما فيها العربية، وقالت صحيفة الجارديان البريطانية أن المذكرات بمثابة «قصة جديدة» تتضمن فصولا هامة لرئيس شكلت إدارته علامة فارقة في التاريخ الأمريكي الحديث، مشيرة إلى أن مذكراته الأولى التي حملت اسم «أحلام من والدي»، سلطت الضوء على نشأته باعتباره ابنًا لأم أمريكية مولودة في كنساس وأب كيني ودخل المسرح السياسي الوطني في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي لعام 2004، بخطاب مثير حول الحلم والوعد الأمريكي.
ويغطي الكتاب الجديد فترات من مسيرته السياسية الأولى، وحملته الانتخابية في عام 2008 إلى بقية أحداث أخرى حتى عام 2011.. وبحسب وسائل الإعلام الغربية، فقد تصدَّر الكتاب بسرعة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، بعد أن وصلت مبيعاته الأولية في أيام قليلة إلى أكثر من 900 ألف نسخة. وكان اختيار العنوان لافتاً جداً، وحسب مقال الكاتب الخليجي حسين شبكشي، فالأرض الموعودة لها بُعد ديني مسيحي عميق ومهم، فاللفظ قد جاء في سفر التثنية في العهد القديم، عن النبي موسى – عليه السلام – وأتباعه، لكنها أيضاً لها بعد عاطفي في الوجدان الأمريكي عامة والمجتمع الأسود الذي يتحدر من أصول إفريقية منه تحديداً. فالعبارة مرتبطة بواقعة تاريخية تحديداً في الخطاب والعظة الوداعية الأخيرة التي ألقاها زعيم الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كينغ في كنيسة بمدينة ممفيس بولاية تينيسي الأمريكية، وعُرفت بخطاب «وصلت إلى قمة الجبل»، واعتبرها أتباعه استشرافاً لوداعه، وخصوصاً أنه اغتيل في اليوم التالي ..
في الخطاب يقول كينغ: «رأيت الأرض الموعودة، وإن لم أكن معكم حينها، فإني أريدكم أن تعلموا أننا كمجموعة ناس سنصل إلى الأرض الموعودة». وحين تم الإعلان عن فوز باراك أوباما في الانتخابات الأمريكية، استذكر أنصاره خطاب كينغ، واعتبروا ما حصل تحقيقاً لما توقعه الرجل.
ومن جهة أخرى، فوصول باراك أوباما إلى سدة الرئاسة، كان حالة عاطفية شعبية عارمة بامتياز، ليس في أمريكا وحدها فحسب؛ لكن على المستوى العالمي أيضاً. فكان فوزه بمثابة انتصار جميل على العنصرية بشكل رمزي أخاذ.
يغطي الكتاب الضخم الذي يتكون من 768 صفحة، وقائع سياسية مختلفة جداً، قد ينتقده عليها أعداء ومعارضون، لكنه ما دام انتخب بطريقة نزيهة وعلنية وشفافة، فالرجل لا يخشى لومة لائم.. وفي إمكان حتى أنصاره ومعارضيه متابعته قضائيا على ممارسات خاطئة أو اجتهادات ما في قضية من القضايا المحلية أو ملف كيت وكيت في السياسة الداخلية أو الخارجية لأمريكا، أو حتى جره للعدالة أمام كاميرات العالم إن كانت هناك ملفات غش أو محسوبية ما أو غيرهما ..
لكن القصص والأسرار التي يرغب الاطلاع عليها القارئ العربي خصوصا في هذه المذكرات الغربية، ومن زعيم أسبق لأقوى دولة في العالم، هي بعض قصص وأسرار سرايا حكام دولنا العربية والإسلامية، التي جنت على شعوبها طمعا في حكم أزلي أبدي، جاء بخراب على الأخضر واليابس كما تعيشه شعوبنا، على الرغم مما حبى الله المنطقة بخيرات وثروات طبيعية لا حصر لها ولا عد…
وقد أثرت هذه النقطة تحديدا، لأن في كتابة المذكرات عموما جانبا نفسيا شخصيا هاما، رغم ذلك في دولنا العربية، حتى وإن كتبت مذكرات لشخصية عربية ما في حياته وذكر فيه أمورا عادية لا تسمن ولا تغني من جوع، فهذه المذكرات لن تطبع إلا بعد وفاة صاحبها بسنوات، وقد تطبع أحيانا مبتورة بمقص رقيب لا نعلمه، وبالتالي لا تعقيب ولا حساب ومحاسبة، ناهيك عن المتابعات القضائية… وجزائرنا والعالم العربي عموما يزخر بهذه النماذج من المذكرات، عن رحيل كتاب ومفكرين كانوا ضحية هؤلاء الحكام المستبدين، ونكاية في العالم أو المفكر قد تذكره وسائل إعلام النظام بأنه كان وطنيا وكان مناضلا و .. على حد قول المثل الجزائري «كي عاش، عاش مشتاق تمرة، وكي مات علق له عرجون»..
إذن كخلاصة لقضية التكريم والمكرمات، لا يجب أن يغيب علينا أنه منذ الأزل لدى العام والخاص، تكريم العرب للموتى دون الأحياء، كانت ولازالت عادة متأصلة ومتجذرة منذ فجر التاريخ، وليس وليدة اليوم، والأصل تكريم الإنسان حيا وميتا على حد سواء، وفتح باب نشر المذكرات بكل الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرأية، لأنه من أبسط معاني الشكر وحقوق المواطنة .. ويبقى السؤال مطروحا، متى يكرم الكرام في مجتمعاتنا وهم أحياء، ليكونوا عبرة وقدوة لغيرهم عبر الأجيال، فحق الاعتراف بالفضل لأهل الفضل من شيم الكبار ونبلها، دولا كانت أم مؤسسات وهيئات.. و«الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».