مؤشرات على عودة الروح لمنظومة التضامن الإسلامي
أ. عبد الحميد عبدوس/
لاحت مؤخرا في الأفق مؤشرات تدعو للتفاؤل بإمكانية ترميم العلاقات بين الدول الإسلامية وإصلاح ما أفسدته السياسة الإجرامية التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب ضد العالم الإسلامي. إذ لم يكن خافيا أن الإسلاموفوبيا أو معادة الإسلام وكراهية المسلمين أصبحت سياسة رسمية للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب ، حيث شبه أحد مساعدي ترامب الإسلام «بالسرطان الخبيث»، وقد سخر الرئيس الأمريكي الذي يصف نفسه «بأفضل حليف لإسرائيل» طوال ولايته الرئاسية الإمكانيات الضحمة للولايات المتحدة الأمريكية، أقوى وأغنى دولة في العالم لتخريب التضامن الإسلامي وزرع بذور الفتنة والشقاق والتباغض بين الدول الإسلامية، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية من جهة، وبين السعودية والجمهورية التركية من جهة أخرى، إضافة إلى ممارسة أقصى الضغوط على الكثير من الدول العربية للدخول في مسار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في ظل مواصلة سياسة الضم والاستيطان والعدوان من الجانب الإسرائيلي، ودون منح أدنى اعتبار للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني أو احترام للقرارات الدولية التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.
قد يكون من المبكر حاليا حدوث تحسن سريع وكامل ومتزامن في علاقات الدول الإسلامية، وإنهاء المناكفات الإعلامية والتصريحات السياسية السلبية في ظل التردي الكبير الطارئ على العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وارتفاع حجم التوتر المخيم عليها حاليا، ولكن المرحلة المقبلة أو مرحلة ما بعد الرئيس دونالد ترامب ستكون أحسن وأنسب بلا شك لوقف مرحلة الانهيار وبداية حل للمشاكل المتراكمة طوال أربع سنوات كاملة. لقد ظهرت بوادر هذا التوجه الإيجابي المرتقب في العلاقات بين الدول الإسلامية في 20 نوفمبر الماضي (2020) عشية انعقاد قمة العشرين الاستثنائية الافتراضية التي استضافتها المملكة العربية السعودية، حيث أجرى العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، اتصالا هاتفيا بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اتفق فيه القائدان المسلمان على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة من أجل حل الخلافات العالقة بين البلدين.
وأعقبت هذه المكالمة الهاتفية بين قائدي البلدين، تصريحات ودية صدرت من وزيري الخارجية التركي والسعودي اللذين التقيا في النيجر على هامش اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي. وكتب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على تويتر: «إن الشراكة القوية بين تركيا والسعودية ستكون مفيدة ليس فقط لبلداننا ولكن للمنطقة بأسرها».، ومن جهته قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان لوكالة رويترز: «إن بلاده تمتعت بعلاقات طيبة وودية مع تركيا».
وسائل الإعلام أولت أهمية كبيرة لهذا الحدث رغم أنه كان سيبدو قبل توتر العلاقات بين تركيا والسعودية مجرد إجراء بروتوكولي أو نشاط دبلوماسي عادي بين مسؤولي بلدين مسلمين كبيرين وهامين في منطقة الشرق الأوسط وداخل منظمة التعاون الإسلامي، ولكن علاقات البلدين عرفت تدهورا كبيرا بعد أزمة مقاطعة قطر من طرف أربع دول عربية هي السعودية ومصر والإمارات والبحرين في جوان2017، مباشرة بعد زيارة الرئيس الأمريكي المملكة العربية السعودية في 20 ماي 2017م وهي الزيارة التي حصد منها ملايير الدولارات وزرع فيها بذور الفتنة بين الأشقاء وطالب خلالها قادة العرب والمسلمين بدعم الحرب على ما أسماه «التطرف الإسلامي»، ثمّ توجه الرئيس ترامب بعدها إلى إسرائيل التي وعدها بتغيير سياسة العرب نحوها وتحقيق التطبيع الكامل الذي لم ينجح رؤساء أمريكا السابقون في إجبار العرب على إقامته مع إسرائيل. في هذه الأزمة الخليجية الموجهة من طرف إدارة ترامب الإنجيلية الصليبية وحليفتها الليكودية الصهيونية لتمزيق الصف العربي وتخريب التضامن الإسلامي، سارعت تركيا للوقوف إلى جانب دولة قطر ضد الحلف الرباعي، بل إن السلطة التركية ذهبت إلى حد إرسال قوة تركية مسلحة لمواجهة أي تهديد عسكري خليجي، أو غزو سعودي محتمل للتراب القطري، ثم تدهورت العلاقات السعودية التركية ووصلت إلى حافة القطيعة بعد فاجعة مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي عام 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وتصاعدت الأزمة بين البلدين بعد اتهام تركيا مسؤولين كبار في منظومة الحكم السعودية بالضلوع في جريمة اغتيال الصحفي المغدور، وأصدرت أحكاما بالسجن ضد عدد من الدبلوماسيين ورجال الأمن السعوديين في هذه القضية، ولذلك كان خبر الاتصال الودي بين العاهل السعودي والرئيس التركي يبدو كشعاع أمل وسط غيوم سوء التفاهم المتراكمة، واعتبر إعلاميا مؤشرا على فتح المجال لبداية العودة إلى علاقات طبيعية كانت سائدة بينهما قبل فترة اعتلاء دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولجوئه إلى سياسة الفتنة والتحريش بين الدول الإسلامية.
وفي سياق ملامح هذا التطور الإيجابي في علاقات الدول المسلمة، تأتي اخبار مبشرة عن إمكانية إنهاء مرحلة الجفاء والقطيعة بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر. حيث قال المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة السفيرعبد الله المعلمي خلال استضافته في قناة «روسيا اليوم» (RT) يوم الاثنين30 نوفمبر 2020: إ نه ليس هناك بين السعودية وقطر خلاف وجودي أو مصيري؛ بل هما شعب واحد وبلد واحد وامتداد لبعضهما، وردا على سؤال حول تخفيض الشروط الـ13، التي طالبت بها دول الحصار، قال المندوب السعودي: إنه لن يدخل في عمليات حسابية، وهذا الرد هو أكثر مرونة من تصريحه في شهر جوان الماضي ( 2020) لقناة «بي بي سي» البريطانية الذي قال فيه إنه لا يمكن التنازل عنها، مؤكدا أن «كل المطالب التي تقدمت بها الدول المقاطعة لقطر مشروعة ومتساوية في الأهمية».
كما يمكن اعتبار رد فعل السعودية على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، موقفا إيجابيا، حيث أكدت السعودية إدانتها للاغتيال والعمل الإرهابي الذي تحوم فيه شبهات التورط حول مخابرات الكيان الصهيوني بمشاركة مباشرة أو دعم مؤكد من طرف الإدارة الأمريكية تحت قيادة دونالد ترامب. فقد اكد المندوب السعودي لدى الامم المتحدة، إن الرياض لا تؤيد سياسة الاغتيالات على الإطلاق، مؤكدا: إن «خسارة عالم مسلم هي خسارة للأمة الإسلامية بأكملها».
لا شك أن عودة الروح إلى منظومة التضامن الإسلامي وترميم العلاقات المتردية بين الدول الإسلامية سينعكس إيجابا على أمن وازدهار الأمة الإسلامية، وسيغير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال قدر خبراء الأمن في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن «أي تحول على طابع العلاقة القائمة بين السعودية وإيران سيمس حتما بمصالح إسرائيل ومكانتها في المنطقة، ويفاقم من حجم الأعباء الأمنية على عاتقها».