أيها الفلسطينيون..أمريكا أمامكم وإسرئيل وراءكم/ الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال
كأن “طارق بن زياد” حاضر في أثناء التفكير في كتابة المقال هذا، وقد أحس فعلا بما يعاني الشعب الفلسطيني من حصار غاشم بين قوتين عسكريتين هما الأقوى في المنطقة وفي العالم والأقوى تأثيرًا في العلاقات الدولية لمدة أكثر من نصف قرن من الزمن. هذا التأثير الذي استطاع في العقد الماضي أن يؤلب حتى الأشقاء ضدك “يا ابن أمي.. يا ابن أكثر من أب.. كم كنت وحدك..” كما قال الصديق المرحوم “محمود درويش”.
للحقيقة فإن القوتين هما قوة واحدة بالنظر إلى مصدر أسلحة الدولة الصهيونية ومصدر تمويلها وتأثيرها في مسرح الأحداث – خاصة – في مجلس الأمن الدولي أين تعود الكلمة الأولى والأخيرة لحق “الفيتو” الأمريكي المرفوع دائمًا وأبدًا كلما تعلق الأمر بإدانة الجرائم الصهيونية.
من عام 1982 – عام طرد المقاومة الفلسطينية من بيروت – إلى عام 1993 – عام جر منظمة التحرير الفلسطينية إلى أوسلو- لتوقع شهادة استسلامها التكتيكية كما كانت تظن إلى حين اغتيال الراحل “ياسر عرفات” والإستراتيجية كما كانت تفكر دولة إسرائيل وحليفتها، بل وأمها البيولوجية “الولايات المتحدة الأمريكية” إلى عام 2003، عام غزو العراق بقوة التحالف الدولي الذي قادته أمريكا، والذي يضم كما يعلم الجميع جيوشا عربية شقيقة ودعما لوجيستيا وماليا يتمثل في قواعد عسكرية في البراري والبحار العربية وأموال باهظة تدفعها لها دول الخليج الثرية كمقابل الوقود والذخيرة للقوات البحرية والجوية والبرية الأمريكية.
منذ أوسلو 1993 إلى 2006 فرض على الفلسطيني المسكين الجلوس للتفاوض مع عدوين أحدهما المحتل والآخر حاميه الذي نصب نفسه وسيطا وراعيا لا يقبل أية كلمة من الفلسطيني وهو يرى أرضه تقتطع يوميا لتبنى فيها مستوطنات جديدة لليهود المتطرفين الذين جلبوا من أقاصي الأرض.
وآخر ما وصل إليه دهاء هؤلاء الخروج من قطاع غزة وحصاره من البحر والبر والجو ليدفع بالمناضلين فيه إلى ردّ الفعل الذي لابد منه وهم يرون ما يحدث في رام اللـه من بناء للسور العازل والمعابر التي يستحيل على المواطن الفلسطيني النفاذ من خلالها من حي إلى آخر إلاّ بشق الأنفس، والبيوت التي تهدم والأراضي التي تجرف وتحول إلى مستوطنات ولما حاول مناضلو القطاع الاقتراب من السلطة بانتخابات تشريعية هي الأولى التي كان يمكن بها اعتماد الحل السياسي السلمي المفروض على المنظمة رفض العدو نتائجها وفرض على السلطة حل المجلس التشريعي وافتعل خصومة مع أولئك المناضلين بدعوى انتمائهم لحركة الإخوان المسلمين، سبحان الله، الراحل “ياسر عرفات” اختلف مع الرئيس “حافظ الأسد” ذات يوم عندما حارب سكان مدينة حماه بنفس السبب وقال عنه أنه “عم بيقاتل في السنة” يعني أن “عرفات” رحمه الله لم يكن عدوا للإخوان المسلمين، بل عمل بكل ما أوتي من قوة لإخراج الشيخ “أحمد ياسين” من سجون الاحتلال.
ولما عرف الإخوة في القطاع أن مواصلة السير في ذلك النهج فيه خسارة للقضية قرروا العودة إلى سبيل الرشاد والالتحاق بإخوانهم في السلطة عساهم ينجحون في فرض الحل السلمي بالوسائل الدبلوماسية التي بدأت تؤتي ثمارها بعد افتكاك بقعة ملاحظ في الأمم المتحدة، ووجود أمل في افتكاك بقعة العضوية الكاملة.
السنوات العشرة الأخيرة استطاعت فيها الصهيونية العالمية إقناع دول عربية هامة بضرورة الالتحاق بركب دولة إسرائيل باعتبارها الحليف الموضوعي لها في عدائها لإيران الشقيقة.
صدق يا من لا تصدق أن دولة إسرائيل رفضت المصالحة بين حماس وفتح واشترطت قبول ذلك بإعلان حماس الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل في كل الأراضي المحتلة !!!
وصدق أيضا أن الرئيس الأمريكي الجديد “ترامب” يعتبر أن ما وقع من مصالحة يتعارض مع المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل من ضمن هذه المصالح الحيوية.
وصدق أيضا أن كثيرًا من حكام العرب يمارسون عملية التطبيع سرًّا مع إسرائيل، وهي تحافظ على هذه السرية لا لكونها تحمي هؤلاء، بل لأنها كما يقولون لأن التطبيع الحقيقي الذي يريدونه مع الشعوب العربية وليس مع الحكام.
وصدق أيضا أن أمريكا التي وضعت حركة حماس وحزب اللـه والنظام الإيراني في خانة الإرهاب العالمي الذي يجب محاربته مثلما حوربت داعش، وبعد نهاية داعش انتظروا حربا ضد هؤلاء، قد تبدأ من الهجوم على إيران أو من جنوب لبنان أو من قطاع غزة.
فالفلسطيني مثل “طارق بن زياد” يوم دخل بقوة عسكرية صغيرة 12.000 جندي مسلم إلى شبه جزيرة إيبريا ليقابل جيش “رودريك الثاني” قوامه 200.000 جندي فخطب في جيشه قائلا: “أيها الناس أين المفر البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلاّ الصدق والصبر”.
هذا حال الفلسطيني اليوم: أمريكا أمامه وإسرائيل وراءه وما عليه إلاّ أن يقتحم بكل الوسائل الممكنة، السياسية والدبلوماسية والمقاومة الشعبية والمسلحة لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة كما قال الراحل “جمال عبد الناصر” ذات يوم.