سلسلة: تأمٌّــلات

حلقات العلم

م ع/ حديبي عبد الله/

أنت لا تستطيع أن ترى كل حَيِّك وأنت داخل منزلك، كما أنك لا تستطيع أن ترى كل المدينة وأنت في حَيِّك، ومن البديهي أنك لا تستطيع أن ترى كل الدولة وأنت في مدينة من مدنها، إن حلقات العلم هنا تتصاعد بشكل مخروطي لتمتد فتشمل الكون كله. مخروطان متقاطعان أحدهما رأسه في الأسفل وقاعدته في الأعلى، حيث تبدأ حلقات العلم صغيرة لتكبر شيئا فشيئا، ومخروط رأسه في الأعلى وقاعدته في الأسفل وكل ما ضاقت الحلقة كانت زاوية الرؤية أكبر، وأنت موجود في نقطة تقاطع ما ببن المخروط الصاعد والمخروط النازل. إن الله لا يظلم مثقال ذرة، كان يمكن أن يخلقك ألمانيا أو فرنسيا أو أمريكيا، كان يمكن أن يخلقك زمن نبي الله نوح أو زمن الفراعنة أو في زمن الجاهلية أو الصدر الاول من الإسلام، كان يمكن أن يخلقك أطول أو أقصر، أنحف أو أسمن، أقوى أو أضعف، كان يمكن أن يخلقك مسيحيا أو يهوديا أو بوذيا …إنما خلقك في مكان ما وزمن ما وفي شكل ما لحكمة لا يعلمها إلا هو، في حلقة من حلقات العلم أوسع وأكبر من إدراكنا . إن يوما عند ربك كألف سنة مما نعد {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47]، وفي مقام آخر يكون اليوم أكبر من ذلك {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}[المعارج:4] هنا إشارة قرآنية لحلقة من حلقات العلم كبيرة، حيث سُمِّيَ اليوم والسنة بنفس تسميتنا لهما إلا أنهما بأبعاد أخرى، أبعاد عملاقة، في حلقة أخرى من حلقات العلم. بعض الظواهر عجز العلماء في وقت ما عن فهمها، حتى سمح تراكم البحث والنظر فيها إلى الانتقال إلى حلقة من حلقات العلم أوسع، سهلت فهم كل ذلك والتعامل معه، إن الاعتقاد بكروية الأرض في زمن ما كان يعتبر هذيانا في غير محله، حتى طور الإنسان من إمكانياته وأصبح يرصد كروية الأرض وهو في الفضاء، فانتقل من حلقة إدراك محدود إلى حلقة أكبر. وكما أن حلقات العلم جعلتنا نرى العالم الأكبر منا أكثر وضوحا، جعلت أيضا العالم المتناهي في الصغر في دائرة رؤيتنا، علما أن كلا العالمين الكبير جدا والصغير جدا لا نهاية لحدودهما . إن محدودية علمنا دليل دامغ على أن لا محدودية لعلم الخالق، إن تأملك في حلقات العلم يؤكد أن كل علم الإنسان محدود كساكب لقطرات من سائل في محيط، فما تبدل لونه، وما تغير طعمه، وما اعتراه كدر…. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com