تجدد –يا نوفمبر- فينا..!/ د. عبد الرزاق قسوم

ليتك –يا نوفمبر- كنت قريباً منا، كما بدأت، فنناجيك، ولكنك بعدت عنا، فها نحن نناديك في أعاليك !.
لقد طوّقتنا، الأزمات –يا نوفمبر- عبر كل الفصول، ومن جميع الجهات، فيبس ما كان مخضوضراً في نفوسنا، وهكذا شح الضرع، واصفر الزرع، وبعُد عن الأصل الفرع.
نحن نتوسل إلى الله بفضل جهادك، وأعمال أمجادك، وما بقي في نفوسنا من أمل، أن يحول يأسنا إلى عمل، وبما في قلوبنا من إيمان، أن يمن على بلدنا، بالاستقرار والاطمئنان.
مسنا وأهلنا الضر، ففشا فينا كل لون من ألوان الشر، بفساد الحجر، والشجر، والبشر، وعوقبنا بشح المطر، ومحو الأثر.
كان نوفمبر –في جزائرنا- رمزاً للأحياء والإحياء، فتحقق بفضله كل الرجاء، وعم الرخاء، وتعاونت الأرض والسماء، على تحقيق النماء، وجزالة العطاء، وخصوبة السخاء، والوقاء.
فأين أنت، من كل هذا يا نوفمبر؟ لقد تدثر بعباءتك من هبّ ودبّ، وادعى جهادك الذئب، والثعلب، والأرنب، وعهدنا بك أنك عنوان تضحية وفداء، في وقت الشدة، وإقدام وابتلاء، في زمن الإعداد والعدة، والثبات على المبادئ في زمن الردة، وأطول مدة.
ماذا تغيّر في جزائر نوفمبر الجهاد، حتى ابتليت بهذه الردة، وهذا الكساد، وبالارتداد عن قيم، ومبادئ المجاهدين، وروح الاستشهاد؟
نحن الذين عشنا، الفتن والمحن، أيام الجهاد، وابتلاء الوطن، نذكر ما كان سائداً من أداء الفروض والسنن، بجو يسوده الحب، والإخاء، واخضرار الحقول والسفوح، لا خضرة الدمن.
لماذا تحولت خصوبتنا إلى قحط وجفاء؟ وكيف صارت قوتنا التي صنعناها بالعرق والدماء، إلى غثاء، وهباء؟ لقد ضُيعت الأمانة، وتفشت الخيانة، فقل الوفاء، وحل محله العنف، والعداء، والبغضاء.
أتصدقون يا إخوتي، أن جزائر سهول تلمسان، وغليزان، والمتيجة وجرجرة، وعنابة، والأوراس، وغرداية، وحاسي مسعود، قد أصابتها عين حسود، فعم القحط أرجاءها، وأصاب العسر أبناءها، واكتشف العالم بؤسها وشقاءها؟
لقد أوتينا ملكا فلم نحسن سياسته، وها نحن نبكي بدموع النساء، مجدا لم نحافظ عليه بوفاء الرجال.
طوقتنا الردة السياسية من كل جانب، فلم نحسن التسيير، وظللنا المسير، فعوقبنا بسوء المصير.
وأصابتنا شراهة الطامعين –اقتصادياً- من الداخل والخارج، فتعاون الجميع على تحطيم اقتصادنا، بإفساد الذمة، والتلاعب بقوت الأمّة، والمتاجرة بكل شيء، ولو بالتضحية بالكرامة، والعِرض والهمّة.
تخلى ناس الأعمال عن دورهم النبيل، فحل محلهم رجال أعمال، بسلوكهم الذليل، وإيمانهم الضئيل، فعاثوا فساداً في كل ما هو أصيل، وجاءوا بكل ماكر بخيل، يعبث بقوت الناس، ولو بالثمن القليل.
ولا تسل عن المتربصين، بألسنتنا وعقولنا، ممن يكيدون لثقافتنا وأصالتنا التي عمقها فينا نوفمبر، ويحاول استئصالها منا أعداء نوفمبر، ودعاة ديسمبر.
هجمت الرطانة –كذئب- على أجيالنا، فشوهت ما كان جميلاً، وقبّحت ما كان أصيلاً، وعززت ما كان ذليلاً، وكثرت ما كان ضئيلاً. وما ذلك إلا لأن روح نوفمبر قد بعدت وذبلت، وطمست، على أيدي شرذمة، لا تحكمها وطنية، ولا تملك أدنى حد من القيم النوفمبرية.
وهكذا تم مسخنا ثقافياً، فشُوّه محيطنا، وتغرّب مَخيطنا، وبرز لقيطنا، فكيف نداوي –يا نوفمبر- جرحنا، وعميقنا؟
إننا نذكر كل هذا، ونحن نعيش أجواء نوفمبر، فنكذب على أنفسنا برفع الشعارات، في الجبال الشامخات الشاهقات، وفي النوادي والجامعات والسفارات… وما سألنا أنفسنا بصدق، ماذا بقي فينا من نوفمبر؟ وماذا حافظنا عليه من قيم وجهاد نوفمبرية؟ هل نحن أوفياء حقاً لجهاده ومجاهديه؟ وماذا فعلنا بعهدنا لشهدائه ومناضليه؟
إن جزائرنا التي شيدها الصغار من جيل العز والفخار، قد ضيعها الكبار من جيل الموائد والقمار، فأفلسوا اقتصادها، وحطموا عتادها، وأفشلوا استعدادها، وخربوا سهولها، ووهادها.
فهل يكون نوفمبر الذي نناجيه أو نناديه شفيعاً لنا، في أن نستيقظ بعد سبات، وأن نحيا بعد شبه ممات، فنعد –بأفضل السبل- لخير ما هو آت، فلعل أن يخضر الزرع بعد اصفرار، وأن يجود الضرع بعد شح اضطرار، وأن يغير الله ما بنا لنطرد عنا النكس، والأضرار، فيعود الأمل بعد فقد الرجاء، ويستأنف العمل، بعد بأس وجفاء.
إننا نتوسل إلى الله بجهاد المخلصين منا، وبتضحيات الصادقين من مجاهدينا، وبالتزام الشهداء الطيبين من أبناء نوفمبر، أن ينقذنا مما نحن فيه، وأن يخلصنا مما نعانيه، فقد بلغ السيل الزبى، وطفح الكيل، ولكننا قوم مؤمنون، لا نستسلم لليأس، ولا يخيفنا الحيف أو البأس. وهكذا سيتجدد نوفمبر فينا إن شاء الله.