ملتقى علماء ششار ولاية خنشلة/ عمار طالبي
بمناسبة تكوين شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمدينة ششار انعقد ملتقى لدراسة علماء هذه المنطقة، الذين كان لهم تاريخ حافل بالإصلاح، ونشر المعرفة، وتعليم الكتاب والسنة، وإصلاح ذات البين.
ألقيت عدة محاضرات منها محاضرة الشيخ زروقي عن المرجعية الدينية في هذه البلاد، فاستعرض حياة الإمام مالك رضي الله عنه، واتخاذ علماء شمال إفريقيا مذهبه الفقهي، فكان عاملا في وحدة هذا الشمال وتماسكه وما كان ينبغي أن يشوش بعض الناس على سكانه بفرض مذهب آخر، مع احترام كل المذاهب والمدارس الإسلامية في العقيدة والفقه.
وألقيت أنا محاضرة عن وثيقة تشريعية قانونية اجتماعية كتبها الشيخ البشير بن محمد الصغير العمراني من قرية جلال، وقد ولد بها سنة 1314هـ/1885م، درس على والده في مسجد الشيخ عمر الشخام بجلال، حفظ القرآن وعمره 13سنة، وأخذ يساعد والده في تعليم القرآن ثم انتقل من جلال إلى زوي لاستكمال تعلمه، ومنها إلى قسنطينة وعمره 26 عاما، فدرس على الشيخ عبد الحميد بن باديس لمدة خمس سنوات ثم عاد إلى قريته، معلما مدرسا واعظا مصلحا مفتيا، وعلم القرآن في إحدى قرى جلال لمدة ثلاثة عشر عاما، وبلغت فتاواه علماء بسكرة، وكان يحاورهم وتوفي سنة 1940م بعد مرض، وكنت طفلا حين ذاك وأمرتني أمي أن أحمل إليه الحليب، لما ولدت بقرة كانت لنا وكثر حليبها، ودفن بجلال.
ومن أهم ما كتبه ميثاق لجلال بقراه الثلاثة وهو بمثابة قانون يحارب الفساد، والانحراف، والعدوان على المواشي أو البساتين، والحفاظ على الماء من التلوث، وعقاب من يقوم بالسرقات، ووقع عليها ممثلو القرى الثلاثة وذلك سنة 1921م.
وهي قائمة على الزجر، وتحديد مبلغ من المال لكل مخالفة، وتوضع في صندوق الجماعة وتحتاج هذه الوثيقة إلى دراسة خاصة.
وألقى الأستاذ داوود شريفي وهو أستاذ بجامعة باتنة محاضرة عن الشيخ إبراهيم زراري بن علي، ولد في تبردقة بششار سنة 1306هـ/1886م في أسرة متدينة كان أبوه فقيها، وإمام القرية، ومعلما للقرآن وكانت داره عبارة عن مدرسة قرآنية داخلية، يقيم فيها الطلبة بمثابة زاوية، درس إبراهيم بها وحفظ القرآن وعمره أثنا عشر عاما، ودرس الفقه واللغة العربية ثم سافر إلى الزيتونة، ودرس على كبار علمائها أمثال الشيخ محمد النخلي القيرواني، ومحمد الطاهر بن عاشور، ومحمد الخضر حسين الذي أصبح شيخا لجامع الأزهر، وتخرج سنة 1928م، وعاد إلى قريته تبردقة، معلما مصلحا، مقاوما للخرافات والانحراف، يعلم الشباب خاصة التوحيد، والفقه، واللغة، والأدب، ويقوم بالصلح بين المتخاصمين، والإفتاء، وأخذت السلطات الفرنسية في مضايقته، وحوكم في محكمة بسكرة لرفضه إزالة إحدى المقابر الإسلامية، ثم توجه إلى قسنطينة بمدينة الخروب في بداية 1936م وأصبح بها مدرسا مع اتصالاته بابن باديس وحضور دروسه، في التفسير، والفقه، ثم أصبح مديرا لمدرسة عين عبيد سنة 1944م، وكان عضوا في جمعية العلماء ثم عين مدرسا بمدرسة التهذيب بوادي زناتي عام 1947م، ثم مديرا لمدرسة رأس العقبة سنة 1948م.
وسجن عدة مرات ثم حكم عليه بالنفي، ثم بالإعدام ولم ينفد، وكان قاضيا من قضاة الثورة، وبعد الاستقلال واصل التعليم في إطار وزارة الشؤون الدينية إلى أن توفي سنة 1968م، ودفن بقريته تبردقة – رحمه الله.
وألقى الإمام يس علام، محاضرة عن العلامة علام عمار بن أونيس بن ناجي أبيه، ولد في ششار سنة 1878م وفقد والده في طفولته، وكان أخوه يكلفه بما يشق عليه من الحرث والغرس، وكانت خالته تشجعه على أن يقرأ القرآن في أحد الكتاتيب، ثم هاجر إلى ميلة، ودرس بزاوية الحملاوي وحفظ المتون كالأجرومية وابن عاشر، والرحبية، ومختصر الأخضري؛ وساقت له الأقدار أحد أصدقاء والده، وكان يسافر إلى تونس، فأراد أن يقدم خدمة له، فقال له: خذني معك إلى تونس، فأخذه معه، فتورمت قدماه ونزفت دما لأنه كان يسير حافيا، ومكث في تونس 10 سنوات، فحفظ القرآن، ثم انخرط بجامع الزيتونة وحصل على شهادة التحصيل، ثم عاد إلى ششار، ولم يلبث أن انتقل إلى قرية بابار، فوسع مسجدها، وأصبح إماما فيه وبقي فيه مدة 40 عاما، مدرسا لعلوم الشريعة، مصلحا بين المتخامصين، فكان على صلة بالشيوخ في ذلك العهد أمثال الشيخ إبراهيم زراري الششاري، والشيخ عسول من أولاد سيدي عبيد، والشيخ بلقاسم شرفي، من طامزة بخنشلة والشيخ الصديق بن المكي من خنقة سيدي ناجي، والشيخ بلقاسم من سدراته والد الأمين بشيش الوزير السابق، والشيخ العربي التبسي من تبسة، يلجأ إليه في الفتاوى وكان العلماء يراسلونه فيما يصعب من النوازل، وكان ينتقل على بغلته إلى مناطق مختلفة للصلح بين الناس.
ولما قامت الثورة كان يدعو إلى الجهاد في خطبه، ولقي كل احترام لدى قادة جيش التحرير، وكلف بالقضاء وأوصى المجاهدين أن يكتبوا آيات النصر والجهاد وتعليقها على فوهات البنادق، وخاصة في منطقة طامزة التي كان يتردد عليها باستمرار، قبضت عليه السلطة الفرنسية عدة مرات، ومنها أنه قبض عليه في بابار، ووضع في دبابة، وعندما وصل إلى ثكنة ششار لقي ابن عمه الشيخ إبراهيم زراري محبوسا، توفي سنة 1957م، ودفن في بابار، وله خزانة علمية بها عدة مخطوطات، ما تزال إلى اليوم.
كما ألقى الأستاذ العلواني عمراوي محاضرة في تراجم بعض العلماء بابار لم أحصل على محاضرته، وفي هذه المنطقة علماء آخرون أمثال الشيخ أحمد السرحاني تلميذ ابن باديس، والشيخ زروق الذي كان إماما بخنشلة، ومدرسا بجلال من حين لآخر وخاصة أثناء الصيف.
وكنت ألقيت درسا بالمسجد العتيق ششار، وخطبة الجمعة، حضرها جمع غفير امتلأ الجامع بهم. وحضر الملتقى المجاهد الحاج علي رئيس القسمة، ونائب رئيس المجلس الشعبي البلدي، والحاج إسماعيل حسين وابنه، وكان شديد الحرص على دراسة علماء المنطقة والعناية بهم وعدد من الشخصيات، ورجال المدينة، واستضافنا السيد بشير طالبي للغذاء أكرمه الله.
كما حضر سالم بن جدو رئيس الشعبة الولائية بخنشلة، ورئيس شعبة ششار بوترعة عبد الغني الذي قدم المحاضرين بارك الله فيهم جميعا ووفقهم للقيام بالنشاط الثقافي لنفع المدينة وشبابها.