الصراع الفكري خارج منطق القيم/ عبد القادر قلاتي
مازال الصراع الفكري في واقعنا المعاصر يشكّل امتدادات كبيرة وواضحة لمرحلة الاستعماري الغربي الفعلي الذي عرفه العالم الإسلامي وفي كثير من الجدل القائم اليوم بين الشرق والغرب، تظهر ملامح هذا الصراع بوضوح كبير، لكلّ مطلع على خفايا المشروع الاستعماري الغربي، وقد نبهنا أستاذ الجيل وفيلسوف الحضارة مالك بن نبي، عندما كتب كتابه الشهير: (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) عن ادارة هذا الصراع مستحضرا الكثير من ملامحة في السياسة الاستعمارية في الجزائر توقفت عند هذا المعنى وأنا أتابع حيثيات الاتهام الذي وُجه للمفكر المصري/السويسري طارق رمضان، الذي اتهمته فتاة فرنسية من أصول عربية بالاعتداء الجنسي عليها، والأستاذ طارق رمضان يشكّل ظاهرة فريدة في مسار الوجود الاسلامي في الغرب فإلى جانب كفاءته العلمية، وإطلاعه الواسع على الثقافة الغربية، فهو حفيد الشهيد حسن البنا مؤسس كبرى الجماعات الاسلامية في هذا العصر، ولنا أن نفهم ما معنى جماعة الاخوان المسلمين وما شكَّلته من صراع بين الانظمة الاستبدادية التابعة أصلاً للمشروع الغربي، ثمّ صناعة الوعي بالمسألة الحضارية في المجال التداولي الإسلامي، فالمشروع الغربي يدرك تماماً حجم هذه الجماعة وتأثيرها الكبير والخطير، في وعي الانسان العربي والمسلم عموماً، فقد حاول الغرب وبشتى الطرق بدءً بالاحتواء وانتهاءً بالتشويش والتخريب في البنية الفكرية لهذه الجماعة، إلاّ أنَّه في كلّ ذلك لم يستطع تحويلها إلى أداةٍ طيِّعةٍ، يستخدمها في ترسيخ مشروعه الخبيث، فمن اطلع على المنتوج والتنظير الغربي حول الاسلام وقضاياه اليوم، يدرك بيسر هذا الكلام الذي ذكرناه، فقد كانت هذا الجماعة هي المحور الاساسي في مجمل الكتابات. الغربية حول الجماعات الإسلامية فهو يدرك حجم التأثر الذي تمارسه هذه الجماعة في الوعي الإسلامي وبالرغم من أنَّ الرَّجل وُلد وتربَّي في سويسرا ودرس جميع مراحل التعليم فيها، إلاَّ أنّ المشروع الغربي لا يغفل حقيقة انتماء الرجل للمشروع الإسلامي ولا يصدق اطلاقاً مقولاته حول التحديث وتجديد بنية الفكر الإسلامي والتي يتجاوز بها الكثير من المفاهيم الاسلامية التقليدية لصالح الحداثة وروحها الغربية المعادية أساسًا للمنطق الديني.
سيظلّ الغرب ومشروعه الاستعماري يدير سياسته تجاه العالم الاسلامي بنفس الروح؛ روح العداء للآخر المخالف دينياً، مستخدماً جميع الوسائل لتمكين مشروعه من الاستحكام والسيطرة، هذا هو الغرب وهذا هو مشروعه الاستعماري، وهكذا يدار الصراع الفكري في مجاله التداولي، ولا معنى للقيم في ادارة هذا الصراع. والله المستعان.