هــل نحـــــن نحـــبــــــه حـــقّ الـمحـبــة؟

عبد المحسن الجزائري /
عذرا فلا أجد مقدمة مناسبة لهذا الموضوع وحسبي في ذلك اعتذارا أن من سأتكلم عنه هو خير من وطىء الأرض والمطايا، أندى العالمين، الرحمة المهداة والسراج المنير الذي قال فيه رب العالمين “وإنك لعلى خلق عظيم”.. عن ماذا أحدثكم وماذا أقول وماذا أذر وهو القائل فينا “وددت أني لقيت إخواني الذين آمنوا ولم يروني”فهل صدَقـنَاه وصدّقْنـاه، أخاطب وجدانك، عقلك، شعورك كله، هل تحس أو تشعر بمحبته ومكانته منك إنه “محمد ” صلى الله عليه وسلم، ودعني أسوق لك ـ أخي القارئ ـ في هذا المقام قصة صدق ومحبة، ضع نفسك بمكان منها وزنها بها لترى مدى صدق الرعيل الأول في محبته صلوات ربي وسلامه عليه والتي إذا ما قيست بمقاييس الصُّحبة لم تجد لها مثيلا، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحكي للبراء بن عازب إحدى فصول الهجرة النبوية المباركة وهو الرفيق الوفي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم – ومنها أن صخرة عرضت لهم في الصحراء فكان همُّ الصديق ـرضي الله عنه ـ توفير الجو الهادئ والمناسب لراحته عليه الصلاة والسلام متناسيا نفسه ويقول في ذلك ـرضي الله عنه: “.. وسويت للنبي -صلى الله عليه وسلم – مكانا بيدي ينام عليه وبسطت عليه فروة وقلت نم يا رسول الله وأنا أنفض ما حولك” ومن ثم اغتنم الصِّديق فرصة راحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم – للبحث عن ما يبعث فيه النشاط والقوة ويذهب بعضا من عناء السفر عنه ـصلوات ربي وسلامه عليه ـ
وإذ براع يجده في ذاك المكان المقفر وعلى قدر صدق محبته وإخلاصه زرق وظفر بما تمناه ويلخص لنا تلك المشاهد كلها رضي الله عنه قائلا: “.. إذا أنا براع مقبل قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم قلت: أفتحلب؟ قال: نعم. فأخذ شاة فحلب في قعب كثبة من لبن ومعي إداوة حملتها للنبي -صلى الله عليه وسلم – يرتوى فيها يشرب ويتوضأ فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم – فكرهت أن أوقظه فوافقته حتى استيقظ” “فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت..”، أسألك بالله أخي القارئ.. هل وفى صاحب بصاحبه في التاريخ بمثل ما وفى هؤلاء الكرام برسول الله -صلى الله عليه وسلم – وهم أصحابه فما بالنا ونحن الذين قال فينا ـإخواني ـ وإذ تنهمر علي الخواطر والمواقف فلا أنسى وصية وتحذير سعد بن الربيع ـرضي الله عنه ـ لقومه من الأنصار في لحظاته الأخيرة في هذه الدنيا “لا عذر لكم عند الله أن يُخْلَصَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شُفْر يطرِف. وفاضت نفسه -رحمه الله – ” فهل أدينا واجبنا نحوه حقا أم كان لكل منا أولوياته الخاصة به، وهاهو موقف آخر يظهر أولويات ذاك الجيل الفريد وهمته في الدفاع عن مقدساته وهويته، ففي موقف عصيب آخر عاشه الصحابي زيد بن الدثنة رضي الله عنه و الذي عذب ثم قدم للقتل وقبيل ذلك يقول له أحد من حضر تلك الواقعة: نشدتك بالله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن بمكانك يضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: “والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي “.. نعم أولئك قوم وعوا قول الله تعالى الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران 31) وفهموا حق الفهم قوله عليه الصلاة والسلام «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” فهل نحن نحبه حق المحبة؟.