{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}

أ: محمد العلمي السائحي /
صحيح أن الاقتصاد عصب الحياة الاجتماعية وأنه ضروري لتدبير مختلف المطالب وتلبية كل الحاجات التي لا غنى عنها لتستقيم حياة الناس، وتمضي في الاتجاه الصحيح الذي يرضونه، غير أن الحياة لن تستقر بمجرد امتلاكنا لاقتصاد قوي، لأن المجتمعات الإسلامية بحكم معتقدها الديني ترى أن تلبية احتياجات الروح والاستجابة لمطالبها، لا يقل أهمية عن تلبية الحاجات البيولوجية الحيوية، بل هي بالنسبة لها أشد ضرورة منها وآ كد.
ولنا من تاريخنا الوطني شاهد على ذلك فقد سجل لنا استشهاد ما يربو عن: 4000 آلاف جزائري دفاعا عن مسجد «كتشاوة» الذي أراد الاحتلال الفرنسي سنة 1830م، تحويله إلى كاتدرائية، وإذا سألنا أنفسنا عما حدا بهم إلى إيثار التضحية بأنفسهم على تسليم هذا المسجد للعدو المحتل، لوجدنا الجواب يكمن في اعتبارهم أن حاجات الروح مقدمة على حاجات الجسد.
ومن هنا نقول إننا إذ نشكر لرئيس الجمهورية وللحكومة ما يولونه من أهمية بالغة لصحة المواطن، وما يبذلونه من جهود جبارة للتصدي لهذا الوباء، وهو الأمر الذي حدا بهم إلى اتخاذ إجراءات صارمة وحازمة لمنع انتشار الوباء ومنعه من التوسع وتضييق دائرته ما أمكن، وهي جهود قد باركها الله بدليل جنوح هذا الداء إلى الاستقرار وميل حالات العدوى إلى التناقص، مما شجع السلطات على السماح للمواطنين بالتوجه إلى السواحل للسباحة، وجعل الحكومة تفكر في فتح المرافق السياحية، والنشاطات الترفيهية، على أمل أن تعود الحياة إلى هذه المرافق تدريجيا وتتحرك عجلة الاقتصاد التي أوقفتها جائحة كورونا كل هذه المدة.
وقد لفت انتباهي وكثيرا غيري من الناس في هذه البلاد المحسوبة على الإسلام شئنا أم أبينا، تركيز السلطة على إعادة الحياة للاقتصاد عبر إعادة النشاط لمختلف للقطاعات المرتبطة به، دون التفكير في إعادة الحياة للمساجد، وما ترتب عن غلقها من تعطيل صلاة الجمعة التي هي فريضة من الفرائض الواجبة لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
ولعل السيد الرئيس وأعضاء الحكومة الموقرين، خير من يعلم أن المساجد أكثر قابلية للتأطير والتحكم في مرتاديها، من الأنصار الذين يرتادون الملاعب، أو زوار السواحل الذين يقصدون البحر للسباحة.
فلا بأس إذن أن يؤذن للناس بأداء صلاة الجمعة في إطار مراعاة إجراءات التباعد الاجتماعي، وارتداء للثام، واستخدام وسائل التعقيم المقررة.
وقد حفظنا عن السلف الصالح أن من تمام الإيمان أن يلجأ العبد إلى الله في الملمات التي لا طاقة له بها، كهذا الوباء الذي داهم العالم على حين غرة، بل إن الله سبحانه وتعالى أمرنا باللجوء إليه وطلب العون، فقد قال وعز من قائل: { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الآية ــ 50 ـ سورة الذاريات}.
ويفهم من منطوق هذه الآية الكريمة أن الله يأمرنا بالفرار إليه لا منه والمقصود هو المسارعة إلى طاعته وإتـيان أوامره واجتناب نواهيه وقد أمرنا في الآية التي قبلها بالتوجه إلى المساجد إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، ثم أن الظرف القائم يستدعي منا الهروب إليه، وطرق بابه والبكاء على أعتابه والتضرع إليه، قد بين في كتابه الكريم أن التودد إليه والتضرع بين يديه من موجبات رحمته كما جاء في قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الآية ــ 43 من سورة الأنعام].
ومعنى الآية الكريمة أن الله قد يسلط عقابه على أقوام ليدفعهم إلى الرجوع إليه، وعلامة ذلك هو إقبالهم عليه، وتضرعهم إليه، فإن فعلوا ذلك رحمهم وعفا عنهم، ورفع عنهم ما سلطه عليهم من عذاب، ولاشك إطلاقا أن ما يتعرض له الناس من أوبئة وكوارث طبيعية تتسبب في هلاك الزرع والضرع إن هي إلا صور من العذاب المسلط على الناس بما كسبت أيديهم.
فلنسارع إذن بالعودة إلى الله، ولنجعل من عودة صلاة الجمعة إلى مساجدنا علامة رجوعنا إلى الله الواحد الغفار، لعله بذلك يغفر لنا ويرحمنا، ويرفع عنا هذا البلاء، وينجينا من هذا الوباء، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، نعم المولى ونعم النصير.