المرأة و الأسرة

المرأة بين الواقع والخيال الإعلامي/ بقلم: أمال السائحي

الكثيرات من بناتنا وأخواتنا وحتى أمهاتنا، أصبحن اليوم شغلهن الشاغل ذلك المربع الصغير الضيق، الذي يحمل في طياته الكثير من الخرافات التي لا يحاكيها الواقع الذي يعشنه على أرض الواقع، مع ظروفهن، وحياتهن الاجتماعية ككل، وإنما تصنعه تلك البهرجة السينمائية، وهو ذلك الإعلام بشقيه المسموع والمقروء الذي استثمر فيه الكثير من الخيال، وخاصة عبر تلك المسلسلات المدبلجة ذات الحلقات اللانهائية، والتي حتى وإن انتهت لها فصول أخرى لا تنتهي بل تبقى تتولد عن تفاعلهن مع تلك المسلسلات فينجم عنها تغير ملحوظ في سلوكهن وتغير نظرتهن إلى الحياة داخل الأسرة وخارجها…

من السائد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أن الأسرة بالذات لا تهتم كثيرا بالجانب العاطفي الذي يعبر للطفل عن الحب، بالقبلة، وبث المشاعر التي تجنبه الكثير من الفتن والزلات الموجودة خارج إطار هذه الأسرة الأم، التي تسعى جاهدة أن توفر كل أنواع الراحة له ولسائر أبنائها، ولكنها وللأسف الشديد لا تنتبه كثيرا إلى الجانب التربوي النفسي، والذي يتمثل في تلك المشاعر الفياضة من الحب، لتصطدم بعد ذلك بواقع مرير، يجعلها تخسر في لحظة من لحظات المراهقة هذه البنت أو ذاك الشاب، الذي لا يجد هاته النفحة من المشاعر، أو هاته الصداقة المرجوة من الأم أو الأب، أو حتى من بعض أفراد العائلة، فتجدهم يعيشون في عزلة عاطفية عن والديهم، فتجد الفتاة يتعلق قلبها بذلك البطل في مسلسل “ما”، أو أنها تنساق إلى أحلام اليقظة بتأثير من لقطات المسلسل الذي تتابعه، والتي تعرض لقطة حب بين أب وابنته، أو أم وابنتها…

فإذا أصبحت هذه المقاييس اليوم، التي فجرتها التكنولوجيا الصارخة الإعلامية وغيرها هي السائدة والمتحكمة في الكثير من أمورنا، فكيف توازن فتاة اليوم بين شعورها الذي تثيره فيها لقطات تراها، وتتمنى أن تكون هي واقعها اليومي بدءا من لبس البطلة، وطريقة الكلام، وحسن المعاملة، والصداقة التي تراها بين الأم وابنتها، أو بين الأب وابنته، والحب المتدفق بين الأهل والأصدقاء، ولا نتحدث عن لقطة ذلك الحبيب أو الزوج المنتظر، وكل تلك الرومانسية التي ليس لها آخر، من سيارة آخر طراز، والكلمات المعسولة، إلى ذلك البيت الذي لا تراه إلا في السينما…

ثم تستيقظ بعدها على الكثير من المشاعر السلبية، التي تزيدها ألما وحسرة، ولعلها تؤدي بها إلى الانفجار، أو الهروب مع من تراهم أنسب لها…أو أنها تصبح تعيش في عالمها الخاص، ولا دخل لها بالعالم المحيط بها، ولعلها تطمس مستقبلها مع من جاءها خاطبا، لأنه لا يشبه بطل ذلك المسلسل، أو أنه لا يقدم كل ما لديه، أو أكثر ما لديه، من أموال ويضعها تحت قدميها، حتى توافق أن تكون زوجة له…

أليس هذا ما نعيشه اليوم؟ حتى الأمهات أصبحن لا يرضين عيشتهن، إلا لأنها رأت العجوز الفلانية في اللقطة الفلانية تعيش حياة خيالية…وتتمنى عيشتها ولو لساعة هنية…

إن النفس البشرية عندما تفقد البوصلة مع الله، لا تعرف كيف تستقبل القبلة إليه، أليس الزواج هو تجارة مع الله أولا، هو استثمار في هؤلاء الأطفال، أليست هي محاولة شيقة أن تغدق على هذه العائلة التي كونتها بإسعادك لنفسك وتحصينها وأن تسعد غيرك ومن معك بتلك المشاعر الدافئة، التي تجعل من هذا البيت الحبيب والصديق، عندما تصل الأسرة إلى هذا المستوى من النضج، تعلم جيدا أن تلك اللقطة من تلك البطلة، هي مجرد عبور لا تعيشه حتى تلك التي تقمصت ذلك الدور، فالكثير من الأحيان نقرأ عن الفنانة الفلانية أو البطلة العلانية تعاني من ألم الوحدة، أو من أزمة عاطفية…أو أنها تتعاطى من الحبوب ما تسكن به آلامها…

فعلى أمهاتنا اليوم، والأم المربية بالخصوص، لعلها من الأريح لها أن تعود إلى الواقع، وتحاول أن تغرس هذه الأفكار بطريقة جميلة جدا، وبكل حب ووعي منها، مدركة أنها أولا أمام مشروع تستثمر فيه لترضي ربها أولا، وترضي نفسها، حتى يكون زرعها نافعا لوطنها، نافعا لأسرتها، وتقدم نموذجا صحيحا حيا ونافعا لتلك الشابة أو ذلك الشاب عما ينبغي أن تكون عليه الحياة الزوجية، لأنهم سيؤسسون بيتا يوما ما، وسيكون لهم شأن في الحياة الاجتماعية، وعليه من حقهم علينا تهيئتهم نفسيا وعقليا لذلك، ولن يتسنى لنا ذلك إلا بتحريرهم من تأثير تلك المسلسلات، التي تقدم لهم صورا غير مطابقة لما هي عليه حياة الناس في الواقع الحي.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com