فلذات أكبادنا هاجس شقائنا وإسعادنا

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين /
هل رأيت يا قارئي العزيز، جنة طيور، تمنع فيها الطيور من الغناء، أو عش حمام يحال بين حمامه، والتغريد والحداء؟
-وهل أتاكم- يا أيها الطيبون، قصة الحديقة الغنّاء، التي تعاق فيها الأزهار عن الازدهار والنماء، وشمس الربيع عن الطلوع والضياء؟
وهل سمعتم، بالجامع، الجامِع الذي يغلق منبره يوم الجمعة، ويكمّم إمامه عن الأداء، ويُفرق مصلوه، من التحليق في الفضاء، والحيلولة دون الإصغاء، بسبب الوباء؟
إنها –والله- لَلحالقة التي قصمت ظهر البعير، وأعاقت الكبير والصغير عن المسير، والتكبير.
فتصوروا معي حالة أمة تصاب في فلذات أكبادها، فيعتدى على عقولهم ويرصد مستقبلهم ومصيرهم، وكيف يرجى لأمة، هذه هي مقدمات حياتها، أن يسلم مستقبلها، أو أن تصلح نتائج مقوماتها؟
ويسألونك عن الجمعة، والصلاة الوسطى فقل، لا أظلم ممن يحول دون أدائها أو الذي يساعد على غلق أبوابها، أو تشريد عمارها؟
تالله، إنها للأسئلة البتراء، التي تترك الحليم حيران، وتجعل الإنسان الملاك شيطانا.
ذلك أن الصلاة الوسطى، بالإمكان تداركها بتعديل بسيط في زمن منع التجول كي تستجيب لأمر الله تعالى:
﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾ [سورة البقرة، الآية: 238].
كما أن الخوف من الاكتظاظ في الجمعة، يمكن علاجه باتخاذ إجراءات الصلوات الخمس مضافا إليها أداء الجمعة في المسجد الواحد على فترتين، وبإمامين، الصلاة الأولى في ساعة التبكير، من الظهيرة، والصلاة الثانية قبل العصر بقليل، وبذلك نقضي على خطورة الوباء، ونمكن عمّار المساجد من كامل الأداء.
أمّا بالنسبة لأطفالنا، فيمكن تأمين دراستهم بنظام التفويج، وتهدئة ما في قلوب الأبوين من انفعال أو تهييج؟
إن هذه الهواجس التي أحدثتها اللجنة العلمية، بتخويف الناس من الجمعة والتعلم بسبب الوباء، يمكن القضاء عليها إذا سلمت النوايا، وساد الجميع الإخلاص والوفاء، ووعى كل الناس حكاما ومحكومين خطورة تعليق الجمعة، وغلق أبواب الدراسة، أمام الأطفال الأبرياء، والكبار الأتقياء.
إنها -والله- لمحن تتراكم فتثقل نفسية وضمائر الشرفاء، والعلماء، والصلحاء.
مما يذكر بقول أبي الطيب المتنبي:
فصرت إذا أصابتني سهامتكسرت النِّصالُ على النِّصالِ
وقوله أيضا:
أبنتَ الدّهر عندي كل بنتٍفكيف وصلت أنت من الزحام
ذلك – إذن- هو حال شعبنا الجزائري، اجتمعت عليه كل مصائب الدنيا، فمن البطالة التي تؤدي إلى قهر الرجال، إلى تعطيل وسائل النقل التي تعوق كل تِرحال، إلى التفريق بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، دون أن ننسى تعطيل الفرض، ومنع القرض، مما قد يؤدّي إلى المساس بالعرض.
هذه هي أعراض التأزم، التي نريد أن نتفاداها، في جزائرنا الجديدة، التي ترفع شعار التغيير، وحسن التسيير، والقضاء على التبذير، جزائر يرفع فيها أصحاب الأصوات النشاز من بقايا العصابة، شعار حذف الانتماء الإسلامي، لشعبنا الجزائري المسلم، بضمان من الدستور، الذي وضعه أخونا المجاهد الحكيم الدكتور احمد بن نعمان –وصف- الدستور في عهد العصابة بأنه شاهد الزور.
وماذا نقول لصناع التاريخ في بلادنا؟
ماذا نقول لرائد الإحياء والنهوض، عبد الحميد بن باديس، عندما قال:
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب
وماذا نقول للشهيد عميروش، والشهيد سي الحواس، والشهيد بن مهيدي، والشهيد عبان رمضان، والشهيد ديدوش، وغيرهم من اخوانهم الشهداء؟
أنقول لهم بأن ما غرستموه من زرع إسلامي طيب في الجزائر، قد أتى عليه العاقون من أحفادكم، فحولوه –باسم الدستور- إلى زرع مر، وأصابوا شعب الجزائر المسلم الطيب، بكل أنواع الضر، وبذلك انتصرت الأقلية المارقة، على الأغلبية الفائقة، وعلت الأصوات الناهقة، على تكبيرات الأذان الصادقة، وسوف نعود ، في العدد القادم من البصائر إن شاء الله إن كان في العمر بقية إلى قضية الدستور وما نعلقه عليه من آمال، وما يدور في الساحة الوطنية من سجال، ولكننا نريد أن نؤكد في هذه الكلمة على جملة من الثوابت كلها قد تكون مقدمات سليمة لمعالجة الدستور:
1- ضرورة التعجيل بفتح المدارس أمام فلذات أكبادنا، والبحث عن أنجع السبل لحماية أبدانهم، ووجدانهم.
2- البحث عن حل فعّال، لإعادة الجمعة، كاللجوء إلى جمعتين في المسجد الواحد، وتوعية المرضى والطاعنين في السن، الذين يعانون من هشاشة الصحة أن يؤدوا الصلاة في منازلهم.
3- التعديل الزمني، في ساعات منع التجول حتى تؤمن أداء الصلاة الوسطى التي هي على أصح الأقوال صلاة الصبح.
إن هذه العينات من أعراض التأزم الوطني، هي الامتحان العسير لضمائر حكامنا وعلمائنا، والقائمين على الشأن الوطني في بلادنا، كل من موقع مسؤوليته.
فإذا أردنا، حقا، تحقيق جزائر التغيير وقطع العلاقة مع فترة الزمن العسير،فهذا هو الطريق الصحيح، فالحق قد بان دليله، واتضح سبيله، وبذلك يتبين للوطن من هو عدوه، ومن هو خليله.
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف، الآية: 108].