على بصيرة

عمّ يتصالح الفلسطينيون..؟/ د. عبد الرزاق قسوم

تتراقص على سطح المعمورة المضطربة أحداث خطيرة تطل برأسها، هي أشبه ما تكون بالأمواج الصاخبة، أو العواصف الغاضبة التي تعكر صفو المحيطات، وتتصادم مع بعضها مهددة أمن الكيان الإنساني، وعاصفة بالنسيج العمراني.

إن هذه الأحداث التي حبست أنفاس الناس تُغري كلها، لخطورتها، بالكتابة والتحليل والتعليل، وتجعل قلما كقلمي ينجذب نحو العناية بها.

فتبادل التهديد بالحرب النووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، والمواقف المنفردة الانفعالية المتخذة من ساكن البيت الأبيض الجديد، كقرار انسحابه من منظمة اليونسكو، والمهازل الانتخابية التي صاحبت انتخاب رئيس المنظمة العالمية للتربية والثقافة، وإسقاط ورق التوت عن المسؤولين العرب في هذه الانتخابات، ثم إقدام الرئيس الأمريكي على تجميد أو سحب توقيعه من الاتفاق النووي الإيراني الأوروبي الأمريكي، إضافة إلى هذه الأحداث الخطيرة يأتي قرار الانتخاب بانفصال كردستان عن العراق الأم، وما  نتج عنه من تهديدات الدول المجاورة، وشبيه به انفصال كاتالونيا عن إسبانيا وحدة التوتر الشديدة المتصاعدة بين الإقليم المتمرد وإسبانيا؛ كل هذه الوقائع، جعلت العالم يعيش على صفيح ساخن.

في غمرة هذه الأحداث كلها، يأتي الاتفاق الغريب والمريب بين الأشقاء المتشاكسين الفلسطينيين ليستوقف كل قلم عربي، ويطرح عليه السؤال العسير والخطير: عم يتصالحون؟

فأن يوقّع الاتفاق في القاهرة بالذات، بعد فشل محاولات مماثلة في السعودية وقطر، وغيرها، ومباركة الإسرائيليين له بالصمت كعلامة رضا، يوحي بأكثر من تساؤل عن مضامينه، ومقاصده القريبة والبعيدة المدى.

ولأن القضية الفلسطينية، هي جوهر الصراع بين الأنظمة العربية ذاتها، وبين الأنظمة العالمية بمختلف توجهاتها، فإن أي اتفاق بشأنها يجعله مؤشراً على أكثر من دلالة في هذا الصراع.

فليس هناك عربي، صادق الانتماء لعروبته لا يمكنه أن يهتز طرباً، لكل خطوة تتم نحو لم الشمل، ورأب الصدع، وجمع الكلمة، بعد كل هذا الشتات التي كاد يصبح العلامة المميزة والمشينة للشأن الفلسطيني، لكننا من شدة حبّنا للفلسطينيين، وغيرتنا على مصير قضيتهم وقضيتنا، يستبد بنا الخوف أحياناً، مما قد  يعرّض أي اتفاق بينهم للهشاشة، والتصدع، إذا هو لم يُبْن على أُسس مضادة للزلازل والزعازع.

فقد تسللت إلى الصف الفلسطيني جراثيم مختلفة، حاملة لأوبئة متعددة، فتفشت في شكل أعراض وأورام يصعب التغلب عليها، بمجرد جلسة تطبعها القبلات والعناق والمصافحة باسم المصالحة.

نعتقد أن الركاز الأساسي للقضية الفلسطينية اليوم، هو سلاح المقاومة، طالما أن العدو الصهيوني، لا يزال في صلفه وغطرسته، فهل يحفظ اتفاق المصالحة، حق الفلسطيني في غزة، والقدس، ورام الله، وغير ذلك في حماية قضيته بما يمكن من دفع الصائل كما يقول الفقهاء المسلمون؟

أم هل يكون الاتفاق المبرم، الغطاء الشرعي، لنزع سلاح المقاومة، وكشف ظهرها للعدو، حماية للعدو الصهيوني، من هجمات المجاهدين دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وفرضهم؟

ثم إن الفصائل الفلسطينية، لا تختزل في حماس وفتح، فهناك فصائل أخرى، ضربت أروع الأمثلة في المقاومة، وقدمت أغلى الثمن في الفداء والبلاء ضد سياسة المساومة.. فما مصير هذه الفصائل؟ وما موقعها من المصالحة، والمصارحة، والمصافحة؟

فإذا لم تُشرَك هذه الفصائل في الاتفاق فعمّ يتصالحون؟ وإلى أين يتجهون؟

حقاً نحن لسنا أكثر وطنية من الفلسطينيين أنفسهم، في صون قضيتهم من كل أساليب المناورات والمؤامرات، فأهل غزة أدرى بشعابها، ولكننا من موقع الحامل للعبء الفلسطيني، والمكتوي بجرحه، يحق لنا، أن نبدي مخاوفنا، وأن نعرب عن قلقنا إذا لم تتضح لنا الصورة كاملة. فالهاجس الذي يستبد بكل متضامن مع القضية الفلسطينية، خصوصاً الذين ما انفكوا يقاسمونها الأتراح والجراح، ويقدمون لها أشكال الدعم المادي والمعنوي، إن الهاجس الأكبر، يتمثل في مصير المقاومين، والشهداء، وأبناء الشهداء، ما هو المصير الميسّر لهم؟ وما هي الضمانات الممنوحة لهم؟ هل يكون ما قدمه آباؤهم وشهداؤهم، هباء منثوراَ؟ فما جدوى المصالحة إذن؟

إننا بقدر حبنا لفلسطين، يزداد وجيب قلوبنا، خوفاً من أيّة نكسة مصيرية تضاف إلى باقي النكسات، وما أكثرها، وما أخطرها ! فإذا سلمنا جميعاً، بشراسة العدو الصهيوني، وتعنته في مواجهة المطالب المشروعة للقضية الفلسطينية العادلة، واستبساله في القضاء على كل نبض حي، لدى الشعب الفلسطيني، تصبح كل مخاوفنا مشروعة، وتوجساتنا من أي تقارب مع العدو الصهيوني، مسموعة ومرفوعة، ذلك أن الصهاينة “كلما عاهدوا عهداً، نبذه فريق منهم”، لأنهم “لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة”.

حذار –إذن-! فكل خطأ مرفوض، لأنه خطأ ذو مخاطر، وعواقب، لا تنجر على الفلسطيني وحده، وإنما على شعبه العربي كله، وعلى أمته الإسلامية قاطبة، والمستقبل كشاف.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com