من عين ولمان بسطيف إلى ليشانة والزعاطشة ببسكرة/ د. عمار طالبي
إنها لرحلة إلى عين ولمان، رحلة قرآنية، وأثر القرآن في تكوين الشخصية المؤمنة الفعالة الحضارية الأخلاقية.
هذا الملتقى السابع من نوعه في هذه المدينة، لدراسة المدارس القرآنية، والعناية بمناهجها وسبل تعليم القرآن، حفظا وتجويدا ودراية، وما تصبوا إليه أن يؤسس معهدا عاليا للتخصص في الدراسات القرآنية، ومقاصد هذا الكتاب العزيز في تكوين الأمة الحضارية من جديد، فهو للأمة الإسلامية مصدر حياة وتجديد حضاري، للقضاء على هذا التخلف والخلاف المزري، وسوء ما يدور من الصراعات الغبية، وأوضار الانقسام وسفك الدماء، واتخاذ الأجانب لأوطانها مسرحا للقتل، والسيطرة، ونصب القواعد العسكرية، واعتقاد كثير من حكامها أن الأجانب يحمونهم، ويرعون مصالحهم، وبذلك فقدوا رشدهم وألقوا بسلطانهم إلى العدو على أنه حامي الحمى، وراعي السلم والأمان، في حين أن هؤلاء الأجانب يتلاعبون، ويديرون الصراع والنزاع، ويرعون القتال والتهجير، والتدمير، ولا يرغبون في إنهائه بقدر ما يريدون إدارته، وإشعال ناره، مستعملين في ذلك أداة غامضة، وسلاحا مدمرا وهو ما يسمونه الإرهاب، وداعش، وما إلى ذلك من ألاعيب الشيطان ومكره.
ذهبت الوحدة التي أرسى قواعدها القرآن، ونهج منهجها، وأضاء سبيلها، ولكن زاغت الأبصار والبصائر وعميت العقول عن تعاليمه.
إن درس القرآن والدفاع عن مناوئيه وأعدائه وما أكثرهم اليوم وغدا، يريدون تشويهه، والطعن الكاذب فيه، بأسلوب يبدو في ظاهره أنه علمي موضوعي منهجي ولكنه يعتمد على الافتراء وإخفاء الحقائق، والسير في طريق التضليل والأكاذيب ينسجها هؤلاء الذين يلبسون طيالس العلم، وألقاب البحث الذي لا يعدو البحث عن الأباطيل، وإخفاء الحقائق.
كان ملتقى عين ولمان مثمرا، يبشر بخير، في عودة الأمة إلى دستورها القرآني، ومصدر نهضتها، وهذا ما ينبغي أن تعقد له مؤتمرات، وندوات، وتلقى فيه دراسات علمية، وأبحاث جادة لرفع شأن درسه، وفهم مقاصده.
وانتقلت بنا الرحلة إلى ميدان الجهاد والثورة على الأعداء المحتلين من الجيش الفرنسي الوحشي، ألا وهي ثورة الزعاطشة، وليشانة، وما قام به الشيخ أبو زيان المجاهد من ثورة مدافعا عن شرف وطننا، وكرامة شعبنا في هذا الجنوب الطيب من الزيبان الشرقية والغربية، وقد دعا إلى هذا الأستاذ الفاضل بولقرون التدير، الصحافي القدير، والمناضل في سبيل حرية القول، وصاحبني أخوه الأستاذ علي بولقرون في هذه الرحلة، فاستقبلنا شقيقه في منزله، بحفاوة بالغة وأكرمنا بـ”اليتيمة” الشهية بنت “النخلة البهية”، وكانت الندوة عن ثورة الزعاطشة تحدث فيها الأستاذ التدير بولقرون، الأستاذ الدكتور العربي الزبيري والأستاذ الدكتور يحي ستّار الذي ألف رسالة الدكتوراه في هذا الموضوع، قدم فكرة عامة عنها، وعن دراسة أخرى تحمل خطأ أن بوزيان كان مهديا، ولا صحة لهذا الزعم. وقدم هؤلاء أحد الأطباء الألباب، وصاحبنا إلى الآثار وهو بولقرون من خيرة الشباب في المنطقة، الحرص الأخضري وعائلة بولقرون جدها الشيخ عبد الرحمن بولقرون شيخ عبد الرحمن الأخضري.
بقيت من قرية الزعاطشة أثارا مغمورة بالتراب، تحتاج إلى حفر أثري لإظهار معالمها الباقية.
أما ليشانة فقد وقفنا على آثارها، وقد جرفتها السيول سنة 1969م وبقي مسجدها والزاوية التي كان يدرس بها الشيخ الجليل أحمد سحنون – رحمه الله، وهي أيضا بلدة الشيخ فرحات الدراجي من علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين العاملين.
إن إحياء تاريخ الثورات الجزائرية العديدة أمر واجب على المؤرخين بالرجوع إلى المصادر العربية والتركية والإسبانية والإيطاية والانجليزية وأرشيفهما، ولا يقتصر الأمر على الأرشيف الفرنسي، فإنه كتب بأعين الأعداء، ولا يوثق بكل ما كتبوه من تقارير، ومؤلفات ثقة عمياء، فالمقارنة أمر يؤدي إلى الوصول إلى الحقائق أكثر موضوعية وصدقا، فإن حقائق التاريخ تحتاج إلى منهج نقدي صارم، والاعتماد على الوثائق التي ثبتت صحتها.
وفي الختام نوجه شكرنا الجزيل للقائمين على هذه الندوة والمنظمين لها على ضيافتهم الفاخرة وترحابهم.