من المفسد؟

م ع/ حديبي عبد الله /
كلما اِلْتَقَيْتَ بالناس في المقهى أو عند الطبيب أو عند الحلاق أو في أي مكان عام سواء كنت تعرفهم أم لا، إلا وكان جل حديثهم عن فساد أخلاق المجتمع.
وأنت تطالع صفحات الفيسبوك، يغرقك الكم الهائل من الدعاء والألفاظ الرقيقة الجميلة، والتغني بعبارات راقية جدا تمجد حسن الخلق، والدعاء للوالدين وحسن معاملتهما، ويشدك وقوف الناس بإجلال عند كل مناسبة دينية.
هل نحن أمام انفصام كبير في الشخصية المعنوية لكل المجتمع؟ هل هو نفاق على مستوى عال جدا؟ هل هي غربة روحية نحب تزينها بمكنونات نفسية هي حبيسة تصوراتنا ولا نستطيع أن نترجمها لوقائع إلا فيما ندر؟ لماذا نُصر على قول أشياء لا نعمل بها مطلقا بل نعمل عكسها.
هل وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت معرضا كبيرا نظهر فيه اللاشعور ونعيش فيه قيما لا نستطيع تحقيقها في الواقع؟.. إنهم شياطين كتابتهم أقرب إلى مناجاة الملائكة وعاقين لِآبَائِهِمْ جدارياتهم وكأنها قبس من طهر، تفيض برا بالوالدين وإحسانا لهم، وآكلي حقوق الناس وكأنهم مثال للحق والعدل … هل هذه الوسائل مرايا شيطان متعددة الزوايا .. لا تشبهها إلا مرايا ياسر العظمة؟
إن الإمعان في الإشادة بالأخلاق والتغني بذلك يذكرني بقصة الرجل الذي يدخل إلى المسجد في تواضع، عليه مسحة من إيمان، ثم يصلي في تأني وخشوع يدفعان بأحد رواد المسجد إلى الهمس لصاحبه ألم تلاحظ دقة صلاة ذلك الرجل وهدوئه وخشوعه وعندما ينهي صلاته يقترب منهما قائلا وعليكما أن تعلما أنني صائما أيضا..
هنا شكل للأخلاق والاستقامة لا روح له، رسم للجمال لا ظل له، وكأننا نبحث في أنفسنا عن أنفسنا ونهرب من واقعنا إلى واقع آخر، كل الناس حسب تعابيرهم صالحون مصلحون، ويعملون بكل قوة من إجل الإصلاح، مجتمع جميل الشكل، رائع التصور … لكن في غمرة كل هذه المثالية نتساءل من المفسد إذا…؟