مائة عام على وعد بلفور…عار بريطانيا الذي لا يُنسى !/بقلم/ عبد الحميد عبدوس
أعلنت الحكومة البريطانية عن نيتها الاحتفال بالذكرى المائوية لوعد بلفور، الذي يوافق 2 من شهر نوفمبر المقبل، وعزمها دعوة رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” للمشاركة بهذه الاحتفالية، وكان الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط “توبياس الوود” قد صرح في شهر فيفري الماضي، أن: “بلاده ستحيي ذكرى مرور مائة عام على وعد بلفور بشكل رمزي”.
ويشكل وعد بلفور المشؤوم – الأساس الذي انطلقت منه السياسة البريطانية عقب انتصارها على تركيا في الحرب العالمية الأولى ودخولها إلى فلسطين؛ لتعلن الانتداب عليها، الذي استمر من عام 1918م حتى عام 1948م.
يقول الكاتب والأكاديمي الدكتور خالد الخروب: “وعد بلفور… كان يستهدف تحقيق غايتين في هذا السياق الحربي: الأولى هي إبقاء روسيا منخرطة في الحرب بخاصة بعد ثورتها البلشفية التي حملت شعارات ضد الإمبريالية والتوسع واحتلال أراضي الشعوب الأخرى، ويمكن تحقيق هدف إبقاء روسيا في الحرب من طريق استمالة ورشوة اليهود الروس المتنفذين عبر الإعلان والوعد البريطاني لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. والغاية الثانية المشابهة تماماً هي استمالة اليهود الأميركيين النافذين عبر هذا الوعد”.
في الثاني من نوفمبر 1917م وجه اللورد “آرثر بلفور” وزير الخارجية البريطانية رسالة إلى “اللورد روتشيلد” أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور وكانت الرسالة هي أول خطوة اتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين. وجاء في نص الرسالة التي مثلت وعد من لا يملك لمن لا يستحق:
-عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى“. “وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح”.
وعن هذا الوعد الذي تستعد بريطانيا للاحتفاء بذكراه المائوية في نوفمبر المقبل، يقول البروفيسور “أفي شليم” أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد: “إن وعد بلفور لم تتجاوز كلماته الـ 67 كلمة، إلا أنه ترك آثاره العميقة والمتواصلة على المنطقة بشكل عام”.
وفي 20 سبتمبر الماضي2017م طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمة له في هيئة الأمم المتحدة بضرورة أن تقدم بريطانيا الاعتذار عن “وعد بلفور”. كما طالبت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، الحكومة البريطانية، في الفاتح أكتوبر 2017م بالاعتذار عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء وعد بلفور المشؤوم، وأن تقوم بـ” عملية تصحيح تبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967م”.
وبالطبع جاء الرد البريطاني بالرفض، وكانت الحكومة البريطانية قد رفضت في أفريل الماضي تقديم أي اعتذار بشأن وعد بلفور، وقالت حينها: “إن وعد بلفور موضوع تاريخي ولا نية لها في الاعتذار عنه، بل أعربت عن الفخر بدور بريطانيا في إيجاد دولة إسرائيل”.
وهكذا، بعد مائة عام من عمر الجريمة التاريخية المقترفة في حق الشعب الفلسطيني، والتي لا تسقط بالتقادم، لا تكتفي بريطانيا صاحبة الوعد المشؤوم برفض تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني عن المأساة المستمرة التي سببها وعد وزير خارجيتها “آرثر بلفور” لليهود وللحركة الصهيونية التي طرحت المسألة اليهودية وجعلتها هاجسا مقلقا لساسة أوروبا، ولكن الحكومة البريطانية التي صدرت المشكلة اليهودية إلى قلب المنطقة العربية، مازالت إلى اليوم تساند الكيان الصهيوني وتحمي جرائمه السافرة ضد الفلسطينيين، وتقدم الدعم المادي والدبلوماسي والتكنولوجي والعسكري للكيان الصهيوني الذي ما انفك يفرض المزيد من التوسع والسيطرة على الأراضي الفلسطينية ويقيم المزيد من المستوطنات وينتهك حرمات المقدسات، في اعتداء سافر على الحقوق الفلسطينية واستهتار فاضح بالضمير الإنساني والشرعية الدولية.
ففي منتصف ديسمبر الماضي 2016م ألقت رئيسة وزراء بريطانيا “تيريزا ماي” خطابا أمام منتدى أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، والذي أقيم تحت شعار: “100 عام على وعد بلفور”، وقالت فيه: “إنها تتعهد بإصدار قرار حكومي جديد يوسع مفهوم معاداة السامية من مفهوم يعاقب كل من يقصد اليهود واليهودية إلى كل ما يمس إسرائيل”. واعتبرت “تيريزا ماي” أن وعد بلفور “أهم الوثائق في التاريخ لأنه يدل على الدور البريطاني الإيجابي وإلهام في إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، مضيفة: “إنه الوعد الذي نحتفي به بفخر”.
أمام الضعف العربي الحالي، لا يبدو أن رئيسة الحكومة البريطانية “تيريزا ماي” تشعر بالحرج من المفاخرة بجريمة بلدها في حق الفلسطينيين، لكننا لا نستبعد أن يأتي في قابل الأيام سياسي بريطاني يملك من الشجاعة السياسية والاستقامة الأخلاقية ليعترف أمام الفلسطينيين، كما رئيس الوزراء البريطاني السابق “ديفيد كاميرون” أمام الهنود، عندما زار بلدهم في فيفري عام 2013م، واعترف أن المجزرة التي ارتكبها الجنود البريطانيون ضد الهنود إبان استعمار بريطانيا للهند في عام 1919م هي: “وصمة عار في جبين بريطانيا”.