المرأة و الأسرة

من وحي التجربة ينقل لكم قلمي أروع ما مر به من لقطات .. وأصدق ما استخلص من عبر.. شبابنا فيه الخير

صباح غموشي /

كنت في طريقي من بلدتي التي ولدت بها إلى المدينة التي أقطن بها عاصمة الولاية.. وكان أحدهم قبل يوم قد صدم سيارتي من الخلف حين كانت مركونة في مكان مزدحم وأصابها في واقي الصدمات فأفسده وأعدته لمكانه على عجل.. لكنه في الطريق تحرك من مكانه مرة أخرى.. فركنت قريبا من موقف الحافلات في بلدة في منتصف الطريق.. ونظرت إليه من الخلف فإذ به يكاد يسقط.. وما لبثت حتى وجدت ثلاثة شباب كانوا يعانقون هواتفهم غارقين مع ألعابها أو فايسبوكها أو يويتيوبها لا يتبين لك، كل ما رأيته هو مسارعتهم نحوي وألقوا بنظرة سريعة على الواقي ثم انطلقوا يبحثون مباشرة عن معدات التصليح عند رجل كبير كان قريبا من المكان يبدو أنهم يعرفونه جيدا ويبدو كذلك أنه لديه أشغال ببيته فكان من السهل توفر تلك المعدات بسهولة لديه.
عاد أحدهم سريعا بتلك المعدات وباشروا في تصليح الواقي.. وجلست أنا على رصيف تحت شجرة ركنت السيارة في ظلها لتستظل والدتي وخالتي وعمتي بداخلها.
كان الشباب يعملون بجد كأن السيارة سيارتهم وكأني غير موجودة لا يكلمونني إلاّ حين يسألونني عن شيء يخص السيارة.. وحين يكلمونني يحدثونني بكلّ احترام كأنني والدتهم أو أختهم الكبرى.. كان اليوم قائظا والحر شديد والعرق يتصبب منهم فيبلل ثيابهم ولا تسمع منهم تذمرا ولا امتعاظا كأنهم سينالون مقابلا ماديا معتبرا نظير جهدهم هذا وهو لوجه الله.
وشغلني أمرهم عن شدّة الحرّ وعن حديثي مع والدتي ومرافقي من خلف زجاج السيارة. الشيء الذي شدني أكثر تلك المفارقة العجيبة جدا بين ما يبدو عليهم من طيبة قلب وحسن تعامل وخلق طيب على الأقل ما كان يبدو لي في تلك اللحظات ولم يكن لديهم داع ليتصنعوا أمامي خلقا غير خلقهم وسلوكا غير سلوكهم ولم ألتق بهم لا من قبل ولا من بعد أبدا.. ولم تكن لهم مصلحة بأي شكل مقابل ما صنعوه معي.. حتى أنهم ربما لو رأوني مرة أخرى لما عرفوني لأنهم كانوا مركزين على تصليح السيارة من أول وهلة.. ولا أنا سأعرفهم طبعا لأني كنت أتمعن في تلك المفارقة بين كلّ ما ذكرته وبين ثيابهم التي كانوا يلبسونها وقد تقطعت سراويلهم وانحصرت أقمصتهم.. ولم يمض وقت طويل حتى انتهوا من تصليح ما يمكن تصليحه وبكل أدب قالوا لي تستطيعين الوصول بسلامة ولكن عليك تصليحها فيما بعد بشكل نهائي.. وعادوا لأماكنهم وقد نزعوا أقمصتهم المبللة بالعرق ومضيت أنا في طريقي بعدما شكرتهم شكرا جزيلا ودعوت لهم دعاء طيبا.
الشيء الذي لفت انتباهي والحقيقة أنه تكرر معي كثيرا هو هذا الخير الكامن في قلوب شبابنا وإن بدت مظاهرهم غير لائقة.. ومن الطريف أني ذكرت القصة لمن حولي فيما بعد وقلت لهم لا أريد أن يشتم أحد بعد الآن شبابنا وإن كانوا يلبسون سراويل مقطعة.. طبعا أنا ضد هذا اللباس وأتمنى أن يعود شبابنا لرشده وذوقه السليم ويلبس ما يليق برجولته وأصالته.. لكن هناك أمرا لا بد أن نقف عنده مطولا.. إذا كان شبابنا بداخله هذه الطيبة وهذه النخوة وهذه الشهامة وهذا السلوك الطيب وهذه الأخلاق الجيدة لماذا هو ضائع هكذا؟؟؟.
ما أردت أن ألفت الانتباه له في هذه الكلمات هو أن نفكر في شبابنا من زاوية أخرى من زاوية مسؤوليتنا نحن تجاههم.. هم بذرة طيبة تحتاج لرعاية كبيرة واحتضان جميل وعناية فائقة وسقي طيب.. والله إن في شبابنا لخيرا كبيرا.. الدنيا ضيعتهم وواجبنا أن نحتضنهم وننقذهم إلى بر الأمان.. فقط علينا أن نغير زاوية نظرنا إليهم وحكمنا المسبق عليهم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com