أقلام القراء

لماذا لا توجد دراسات ما بعد الاستعمار في الجزائر؟/ د. على حليتيم

هذا سؤال مثير؛ لأنه سيتحتم علينا من أجل محاولة الإجابة عنه الحفر في عدة حقول فكرية شبه غامضة أو ملغمة بالمعالم الإيديولوجية الموروثة المفروضة المرتبطة بموازين القوى وضبابية الرؤى التي هي أحد معالم المعركة الفكرية في بلدان ما بعد الاستعمار.

وأول هذه الورشات المفتوحة، التعريف بما بعد الاستعمار نفسه الذي يحيطه الغموض والإثارة والشك، حتى إننا لا نكاد نجد من قاسم مشترك بين كل تلك الدراسات إلا وحدة الزمان وموضوع الدراسات بين أطروحات جامعية أكاديمية بدافع أن ما بعد الكولونيالية أصبحت “آخر مصطلح غريب يبهر العقل الأكاديمي” كما يقول راسل جاكوبي وبين من جهة أخرى دعوة مالك بن نبي إلى علم اجتماع ما بعد الاستعمار في صيغتين ؛”المعامل الاستعماري” ومعامل “القابلية للاستعمار” كمشروع علمي لتصفيته نهائياً.

يكفي للتذكير بهول الظاهرة الاستعمارية أن يعلم القارئ أن 84،6 من سطح الكرة الأرضية قد شمله الاستعمار في ثلاثينات القرن الماضي ولم يسلم منه إلا أجزاء من الجزيرة العربية وإيران وأفغانستان ومنغوليا والتبت والصين واليابان.

لقد أطلق الغرب دراسات ما بعد الاستعمار كامتداد طبيعي لدراساته الاستعمارية من قبل، وكانت الأهداف المعلنة هي تمكين الشعوب المستعمرة أن تسمع صوتها وتعبر عن ذاتها وخصوصياتها لكن القلة من الدارسين الذين كانوا يكتبون من خارج الدائرة الاستعمارية كانوا يعلمون أن ذلك المشروع يشكل نوعا من خدمات ما بعد البيع للظاهرة الاستعمارية في بعدها السوسيو- ثقافي لأنها تنطلق من جامعات الغرب وموروثه الثقافي وجوّه المعرفي ولذلك فهي لا يمكن أن تكون خادمة إلا لبناه الفكرية ورؤاه المركزية للعالم حتى ولو دعت تلك الدراسات للاعتراف بالآخر العرقي والثقافي وفضحت ممارسات الغرب الإنكارية والإستئصالية لهوية المستعمر -بفتح الميم – وانتقدت غيرها من الدراسات بأنها خادمة لرؤية الغرب في مرحلة ما بعد الكولونيالية.

إن الغرب حين يطلق مشروعا فإنه يحرص فيه على الجودة والإتقان والفاعلية، وهو في دراسات ما بعد الكولونيالية لا يمكن إلا أن يكون كذلك. ولذلك فإن أجواء الحرية في الدراسات وتعمقها وشمولها لكل الميادين ونقدها للغرب لا يمكن إلا أن تبهر المثقف الناشئ من العالم الثالث وتبدد شكوكه في تلك النظرة التي جلبها من بلاده حين دخل أول مرة جامعة من جامعات الغرب ليتحصل على رسالة جامعية تكون محط الفخر له والاعتراف في بلده الذي لا يزال ينبهر بكل ما يأتيه من الغرب.

لكن بعض المؤشرات ستشكك في هذا المشهد المثالي وتحتم علينا إعادة النظر في دراسات ما بعد الكولونيالية في صيغتها الغربية إن من جهة الحيادية العلمية المزعومة أو من جهة الأهداف المعلنة!

الدراسات الغربية لا تدرس العالم الثالث إلا من خلال مصادرها الغربية فقط ولذلك فإنك لا تجد في السواد الأعظم من الدراسات والرسائل الغربية مراجع بلغة المستعمرة القديمة محل الدراسة.

إن الغرب حين يدرس فلسطين فإنه يرجع إلى إدوارد سعيد كرائد من رواد الدراسات ما بعد الاستعمارية لأن إدوارد سعيد كتب في الغرب للغرب من وجهة نظر تراعي ما استطاعت المشاعر الغربية لكنه لم يرجع إلى مئات الدراسات الفلسطينية المكتوبة باللغة العربية الرافضة للاستعمار من أساسه.

أظن أن الجواب على سؤالنا الأول سيدفعنا إلى طرح سؤال آخر أكثر إثارة هو: هل هناك أطراف ترفض أن تتطور الدراسات ما بعد الكولونيالية في الجزائر؟

‏‫

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com