الفتوى/ رقم: 190الموضوع: حكم المعاملات المالية، بين الأبناء والآباء/ محمد مكركب

قال السائل: إن إخوته من أبيه، أبناء زوجة أبيه التي توفيت. اشتروا بيتا لأبيهم، لأنه كان في ضيق، وكتبوا العقد باسم أبيهم، وبعد مدة طلب أحدهم استرداد البيت من الأب، وقَبِلَ الأبُ التنازل عن البيت، تجنبا للخلاف. يقول السائل: هل يجوز لهذا الولد الرجوع فيما وهبه لأبيه من قبل لأبيه؟ وهل هذا يعتبر من قبيل الرجوع في الهبة؟
ثم ذلك الولد كان يمتلك بيتا آخر، غير كامل، فانتقلوا إليه، وأكملوا بناءه، ثم رجع إليهم، ليطالبهم بإخلاء جزء من البيت، ليستأجره، مما اضطرهم ذلك إلى مغادرة البيت كله.
ثم إن الأب، لما رأى سوء تصرف أولاد الزوجة الأولى، اشترى قطعة أرض، وكتبها على الزوجة الثانية التي لا تزال على قيد الحياة، لها ولأبنائها.
والسؤال هنا: هل ما فعله الأب مع الزوجة الثانية صحيح؟ وهل المفاضلة بين الأبناء جائزة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: رغم ما في المسألة من غموض، عن سبب ذكر البيت المستأجر في بداية السؤال، وعن الأب الذي لم يجد بيتا لأولاده، ثم يشتري قطعة أرض لزوجته الثانية؟ ثم لماذا أن أبناء الزوجة الأولى كلهم اشتركوا في شراء البيت لأبيهم، وبعدها واحد فقط هو الذي يُحَوِّل الأمور كيف يشاء؟
مع كل هذه الالتباسات، أقول وبالله التوفيق:
1ـ لم نطلع على شروط كتابة البيت لصالح الأب، ولا نسميها (هبة) أو (تبرع) أو (وقف) إلا إذا ذكر ذلك بوضوح في العقد. لا نطلق الأسماء والمصطلحات الشرعية على الأشياء بالظن، أو بالرأي.
2ـ لابد من ذكر مواصفات العقود، في وثيقة العقد بصراحة. كأن يقول الواهب: وهبت هذا الشيء لفلان خالصا له، يذكر اسمه، ويكون اسم الواهب الذي يملك الشيء الموهوب واضحا وأن يكون الواهب له أهلية التبرع.
3ـ أو يقول: ملكتك هذا الشيء، أو أعطيته لك؛ أو هذا البيت، أو هذا الأرض وقفته لفلان، إلى غير ذلك. أو أهديته. أما إذا كان عقد بيع صريح كامل شروط الصحة، فلا يسأل عنه، لأن ذلك معروف.
والله تعالى أعلم.
ثانيا: نعم، إذا كان العقد عقد هبة. فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته. إلا الوالد لولده يجوز له أن يرجع في هبته، بشروط.
والله تعالى أعلم.
ثالثا: تفضيل الوالد ولدا على أولاده الآخرين. مكروه، ولكن العقد صحيح، لو كتب لأحدهم أرضا، أو شيئا، مَلَّكَهُ إياه فالتمليك صحيح. قلت: ولا يستحب، فيجب العدل بين الأولاد، وإذا أخطأ الوالد، وفضل أحدهم، بفارق كبير يؤدي إلى نشوء عداوة، كان على الموهوب له، المفضل على إخوته، أن يتنازل، ويقتسم مع إخوته أو يستسمحهم، أو يخارجهم، أي يعوض لهم، لواجب الأخوة ولإصلاح ذات البين، قال لله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[الأنفال:1]. سبب نزول هذه الآية في غنائم غزوة بدر، إذ تنازع فيها من حازها من الشبان وسائر المقاتلين. ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، والمعنى: اعملوا بميزان الشريعة، واجتنبوا التنازع والاختلاف الموجب لسخط الله.﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ ابتعدوا عن أسباب التنازع والعداوة، واعملوا بالتسامح، حتى تسود الألفة والمحبة والاتفاق. والإصلاح واجب شرعا.
وروى عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال: نزلت هذه الآية فينا نحن معشر أصحاب “بدر” حين اختلفنا في تقسيم الأنفال، (الغنائم) وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسوله، فقسمه بين المسلمين على السواء، وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين.
والله أعلم.
رابعا: ما يهبه الزوج لزوجته صحيح، ولا يشترط فيه قبول الأولاد.
والله تعالى أعلم وهو يهدي السبيل.