البيداغوجيا الغائبة تربويا/بقلم/ أمال السائحي

يعرف التربويون النفسانيون علم النّفس التربوي على أنّه دراسةٌ وتفسيرٌ لسلوك الفرد وتحليله في المواضع التّربويّة؛ لضمان الوصول لفهمٍ صحيحٍ لعمليّة التّعلّم والتّعليم، وعرّفه عددٌ من المختصين في مجال علم النّفس على أنّه فرعٌ من فروع علم النّفس يختصّ بدراسة سلوك المتعلم في المواقف التّربويّة المختلفة، ودراسة ردود الأفعال داخل الغرفة الصفيّة، كما يفيد في تزويد المعلمين بمعلومات ومبادئ وخبراتٍ نظريّةٍ وتطبيقيّةٍ مهمةٍ لفهم طريقة التعلّم والتعليم، وزيادة مستواها ومهاراتها.
أما الدكتوران فؤاد أبو حطب وآمال صادق فيعتبران علم النّفس التربوي أنّه “سيكولوجية المنظومات التربوية والدراسة العلمية للسلوك الإنساني الذي يصدر خلال العمليات التربوية”، وذكر الدكتور عماد الزغلول تعريف علم النفس التربوي بأنّه (مجالٌ يُعنى بدراسة السلوك الإنساني في مواقف التعلم والتعليم لدى الأفراد، ويسهم في التعرف إلى المشكلات التربوية والعمل على حلها والتخلص منها.
يعتبرHarion البيداغوجيا علم للتربية سواء كانت جسدية أو عقلية أو أخلاقية، ويرى أن عليها أن تستفيد من معطيات حقول معرفية أخرى تهتم بالطفل (Lalande R, 197) أما Foulquié فيرى أن البيداغوجيا أو علم التربية ذات بعد نظري، وتهدف إلى تحقيق تراكم معرفي، أي تجميع الحقائق حول المناهج والتقنيات والظواهر التربوية؛ أما التربية فتحدد على المستوى التطبيقي لأنها تهتم قبل كل شيء، بالنشاط العملي الذي يهدف إلى تنشئة الأطفال وتكوينهم.
ومفهوم البيداغوجيا، يشير غالبا إلى معنيين:
– تستعمل للدلالة على الحقل المعرفي الذي يهتم بالممارسة التربوية في أبعادها المتنوعة، وبهذا المعنى نتحدث عن البيداغوجيا النظرية أو البيداغوجيا التطبيقية أو البيداغوجيا التجريبية، وتستعمل للإشارة إلى توجه orientation أو إلى نظرية بذاتها، تهتم بالتربية من الناحية المعيارية normative ومن الناحية التطبيقية، وذلك باقتراح تقنيات وطرق للعمل التربوي، وبهذا المعنى نستعمل المفاهيم التالية: البيداغوجيا المؤسساتية، البيداغوجيا اللاتوجيهية (في طرق وتقنيات التعليم، 1992م).
ويمكننا أن نضيف كذلك، للتميز بين التربية والبيداغوجيا، أن البيداغوجيا حسب أغلب تعريفاتها بحث نظري، أما التربية فهي ممارسة وتطبيق.
وهذا التعريف الأخير أجده الأقرب إلى فهم البيداغوجيا التي نريد أن نضع لها مفهوما حيث تتمثل في ذلك الأسلوب الإيجابي الذي يرتكز عليه الوالدين أو المربي، أو المعلم والذي تكون نتائجه الإيجابية من الناحية السلوكية لطفل المستقبل، من سلوكيات يفتخر بها الآباء والأبناء والمعلم على حد سواء.
فهل اليوم كل مربي يتقن هذا الفن التربوي؟ الذي يضفي على هذا الطفل أو ذاك التلميذ، الكثير من القيم والمبادئ القيمة؟ويعتمد أساليب مبتكرة ومبدعة للطرف المتعلم، والتي تؤدي به بالضرورة إلى حبه واتباعه سواء كان هذا الطرف والديه أو معلميه، ويكون بالإصغاء للتعاليم والتوجيهات الصادرة عنهم، في كل تدرجات حياته، من الطفولة إلى المراهقة، إلى أن يشب ويتجاوز تلك المرحلة بأقل ضرر ممكن.
أما إذا تحدثنا عن البيداغوجيا المتبعة في المدارس، فتبدأ من طريقة تعامل الأستاذ المربي مع التلميذ، في تقديم النصيحة، في تجنب التعاليق السلبية على أخطاء التلميذ، وفي تجنب السخرية منه، وفي حسن تفهم التلميذ والتعامل معه بلطف ورقة، وحسن مراعاة مشاعره، حتى يجد اللمسة الحانية التي تتفهم شعوره وتصقل شخصيته، فينشأ محبا لهذا الفضاء التعليمي، وحتى يصغي للنصائح التي تصدر عن ذاك الأستاذ الصديق، الذي لا ينتفع بأفكاره وحدها فحسب، بل هو يتأثر بأساليبه وطرق تعامله بصورة أقوى وأشد، أي أنه يستجيب لأفعاله قبل أقواله، وعمله قبل قوله.
هذا ما نريده من مربي اليوم سواء كان أبا أو أما، أو أستاذا، فجيل اليوم ومع التكنولوجيا الصارخة التي فرضت نفسها علينا، والتي أضعفت من قدرتنا على التأثير في أبنائنا، أصبحنا في حاجة ماسة للمربي الكفء المتمرس بكل الأساليب والطرائق التربوية التعليمية التي تمكنه من قيادة التلاميذ والقدرة على التأثير فيهم وحسن توجيههم، وتجنيبهم التأثيرات السلبية للشارع ووسائط الاتصال المختلفة، وهذا ما يجعل لزاما علينا أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار فهلا اعتبرنا ذلك وأخذناه في حسباننا.